الأحد، 15 مايو 2011


فيّاض مرشح عبّاس الأوحد


[ 15/05/2011 - 07:10 ص ]
د. إبراهيم حمّامي
بوضوح شديد وبكلام لا لبس فيه أعلن محمود رضا عبّاس عبّاس أن مرشحه الأوحد لرئاسة الحكومة القادمة مع حركة حماس هو سلام فيّاض، جاء ذلك في لقاء أجرته صحيفة لا ريبوبليكا الايطالية ونشرته اليوم، ليضيف أن الحكومة هي فقط لتنفيذ برناج "الرئيس" أي برنامجه هو.
بهذا التصريح يكون عبّاس قد بدأ قطف أول ثمار المصالحة المفترضة مع حماس، حيث أنه بهذا التصريح قد ثبّت عدة أمور يفرضها اليوم على الجميع ومنها:
-  تأكيد شرعيته كرئيس للسلطة رغم أن ولايته المفترضة انتهت منذ سنوات، بعد أن سلّمت له حماس بتلك الرئاسة من خلال التوقيع على الورقة المصرية التي تتوجه آمراً ناهياً لا يشق له غبار
 - تثبيت مبدأ أن الحكومة هي حكومة "الرئيس" ولتنفيذ برنامجه، وهو بالتالي يلغي أي مشروع أو برنامج آخر، وهو أيضاً ما وافقته عليه حماس من خلال قبول حكومة تكنوقراط لإدارة شؤون الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، ودون التدخل في الأمور السياسية التي هي من اختصاص منظمة التحرير الفلسطينية
- وحتى في موضوع م.ت.ف فإن لجنة الأمناء العامين المقترحة لا تمس بصلاحيات اللجنة التنفيذية، هكذا تقول الفقرة المضافة للملاحظات، وعليه يبقى ياسر عبد ربه بذات الصلاحيات المغتصبة متحدثاً ومقرراً باسم المنظمة
- طرح سلام فيّاض كمرشح وحيد من قبل محمود عباس، وإعلان حماس أنه يمكن النظر ومناقشة هذا الطرح، يضع الكرة في ملعب حماس، إذ عليها أن تقنع الجميع بسبب منطقي لرفض هذا الترشح، ولرفض سلام فيّاض كرئيس للحكومة أو كحد أدنى وزيراً للمالية متحكماً بشكل فعلي بكل شيء، لأن القول بأنه كان مغتصباً لرئاسة الحكومة سبب يسقط بعد قبول عبّاس كرئيس للسلطة، وعلى قاعدة المصالحة تجب ما قبلها وعفا الله عما سلف
-  في التصريح إياه يعيد عباس التأكيد على نهج المفاوضات العبثي في ظل منح قيادة حماس مهلة سنة لإثبات "حسن نوايا" الاحتلال، وهو ما تلقفه عباس فوراً للاستمرار في الترويج لنهجه
- وزاد عبّاس على ذلك بعد تلقف مهلة السنة، بمبادرة "حسن نية" على طريقته، بإعلانه الاستعداد لعدم التوجه للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل وطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية مقابل تجميد مؤقت للاستيطان في الضفة والقدس لمدة شهرين أو ثلاثة مع انطلاق للمفاوضات المباشرة. الرد لم يتأخر من وزير خارجية الاحتلال: الاستيطان لن يتوقف حتى لثلاث ساعات!
- في خضم هذا وذاك ماتت كل القضايا والجرائم السابقة، لا أحد يذكر اليوم جريمة تأجيل تقرير غولدستون وما تلاها من تنسيق سياسي بين الاحتلال والسلطة في المحافل الدولية، ولا ينبس أي كان ببنت شفة عن وثائق الجزيرة "كشف المستور"، ولا يمكن لمُطالب أن يجرؤ على محاسبة من فرّط ويفرّط في الحقوق
- هذا النهج الذي لم يجد بعض قادة فتح حرجاً في القول أنه يتفق تماماً مع رؤيا حماس السياسية الجديدة، والتي أصبح "هدفها" الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على أراضي العام 1967، حيث أكد أمين سر حركة فتح في المحافظات الجنوبية الوزير عبد الله أبو سمهدانة على وجود توافق كامل في البرنامج السياسي بين حركتي فتح وحماس والمتمثل في إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود العام 67 وعاصمتها القدس الشرقية وحل قضية اللاجئين على أساس قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار 194 وإطلاق سراح جميع الأسرى ، ولا نعرف تحديداً متى قرر الشعب الفلسطيني أن يكون هدفه الدولة وليس التحرير والعودة
- يفرض عبّاس في لقائه مع الصحيفة شرطاً غير مباشر على حماس بإعلان وقبول "وقف شامل ودائم" لإطلاق النار، متعهداً بالاستمرار في "ضبط الأمن" في الضفة الغربية كما فعل طيلة السنوات الثلاث الماضية على حسب زعمه
- ضبط الأمن هذا يترجم عملياً على الأرض "بعد" توقيع اتفاق المصالحة المفترضة من خلال استمرار خملات الاعتقال والاختطاف والمطاردة والقمع، رغم السماح ببعض التظاهرات هنا وهناك تحت مظلة دعم المصالحة، يقابلها منع كامل لأية مظاهرات وفعاليات في يوم مسيرات العودة كما صرّح الضميري
- ويترجم أيضاً باستمرار التنسيق الأمني الذي لن يتوقف في ظل أي حكومة قادمة مهما كان شكلها بحسب حسين الشيخهذا هو موقف عباس وسلطته سياسياً وأمنياً ومالياً، لم يتغير شيء، ولم تعلمهم الأيام وتقنعهم بفشل نهجهم، ولم تؤثر أجواء المصالحة المفترضة عليهم، بل يبدو أنها أرسلت الاشارات الخاطئة وأعطتهم الضوء الأخضر وطوق النجاة للاستمرار على نفس المنوال متسلحين بالورقة المصرية.
قد يقول قائل إن حماس ليست معنية بتلك التصريحات ولا تلزمها بشيء، لكن الواقع على الأرض يختلف عن القول والتمني، حماس أقرّت برئاسة عبّاس، وحماس منحته مزيداً من الصلاحيات في الورقة المصرية رغم التعديلات، وحماس عليها أن تبرر أي خطوة رفض لاجراءات عبّاس لا العكس، وحماس رغم أنها بالتأكيد ستحقق مكاسب على المدى القصير أهمها تخفيف الضغط على قطاع غزة، وتخفيف الضغط على وجودها في الضفة الغربية، إلا أنها ومن الناحية السياسية ستبدأ بإحصاء خسائر متتالية، حتى وان قبل العالم التعامل معها، فلكل شيء ثمنه.
لا نتوقع غير ما قاله وصرّح به عباس، وما فرحة ومهرجان التوقيع على المصالحة المفترضة إلا لحظات نشوة سريعة، يعقبها واقع مرير مفاده أنه لا تغيير في نهج ونوايا وممارسات فريق أوسلو، وأساسه أن ضمانات نجاح المصالحة لم تكن يوماً متوفرة، وما توفر هو بعض النوايا الصادقة من البعض الحريصين على لم الشمل.
 في غياب مرجعية حقيقية للشعب الفلسطيني، وفي غياب تعريف واتفاق واضح على الثوابت والحقوق الفلسطينية، ومع عدم تحديد هدف الشعب الفلسطيني، يحق لكل طرف أن يدلو بدلوه من منطلق المصلحة العليا، عبّاس يرى أن التنازل عن فلسطين التاريخية واسقاط حق العودة تمسكاً بالثوابت، وقادة أجهزته الأمنية يرون في التنسيق الأمني وتجريم المقاومة تمسكاً بالشرعية والمصلحة العليا، وعلى الجميع أن يقبل ويصدق ويصفق!
بين عبّاس ومرشحه الأوحد فيّاض، وبين ثنايا الاتفاق وسطوره، وبين أقوال عبّاس وأفعال سلطته، تكمن وصفة الفشل لاتفاق المصالحة المفترض.
من قَبِل بعبّاس رئيساً لا يُشق له غبار، يمكن أن يقبل بفيّاض رئيساً للحكومة، وأن يقبل بدحلان شريكاً في إدارة غزة، ما المانع؟ هي صفحة جديدة لا تبنى على أساس المحاسبة والمراجعة، بل على القبول بما هو موجود، وعلى حسن نوايا مفترضة - ربما من جانب واحد – وعلى تعايش بين نهجي المقاومة والمفاوضات، وبطريقة أعترف أني أعجز عن فهمها.
ما سبق هو واقع مثبت وليس تحليلاً فكرياً ترفياً جدلياً، وان كنا نقف وبوضوح ضد رمي طوق النجاة لأوسلو وافرازاتها تحت أي مسمى، فإننا اليوم نطالب فصائل المقاومة بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص بطرح رؤيتها السياسية أو التأكيد عليها على أقل تقدير، حتى لا يختلط الحابل بالنابل، ويصبح عبّاس متحدثاً ومقرراً عن الجميع دون استثناء، ودون اعتراض.
نقولها وبمرارة وألم، لم يحن بعد وقت المصالحة والوحدة الوطنية، ولم نقترب منه حتى، طالما أن أوسلو وافرازاتها باتت هي العنوان الكبير والهدف الأكبر، برنامج المفاوضات العبثي والسلام المزعوم مستمر وبقوة وزخم، وبرنامج المقاومة يراد له أن يُلجم، وعلى أحد الأطراف أن يدفع ثمن اتفاق المصالحة، أو بشكل أكثر دقة اتفاق "الهدنة وإدارة الأزمات".
وأخيراً نكرر ونقول صادقين: نتمنى أن نكون مخطئين!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق