الجمعة، 7 يناير 2011

السودان بات مخترقاً من قبل إسرائيل

هكذا اخترق اللوبي الإسرائيلي والمحافظون الجدد السودان
سامي كليب

05-01-2011
ليس في الأمر هاجس مؤامرة، وإنما فيه وثائق وكتب ودلائل كثيرة على أن السودان بات مخترقاً من قبل إسرائيل، وأن الآلة الجهنمية التي تم تركيبها من قبل اللوبي اليهودي والمحافظين الجدد في أميركا، قد فعلت فعلها بغية فصل الجنوب بعد فترة قصيرة، وانفصال دارفور لاحقاً، وتقطيع أوصال السودان بعد حين.
كتاب فرنسي: مؤامرة ضد السودان
أول هذه الكتب هو ذاك الصادر قبل أيام في باريس بعنوان «Carnages» (مذابح) لمؤلفه بيار بيان، أحد أبرز كتّاب التحقيقات السياسية في فرنسا، والذي لا يقل أهمية في بلاده عن بوب وودورد في أميركا. ويحكي فيه قصة التآمر الدولي والأفريقي على السودان، مفنداً ومفككاً تلك السلسلة من حلقات الدعاية التي يتقنها اللوبي اليهودي في أميركا، بحيث أن مجرد تظاهر في أميركا لدعم دارفور تصبح وكراً حقيقياً لدبابير التآمر.
ويقول بيان «حين كنت أقوم بتحقيقي حول المذابح، اكتشفت أن أفريقيا مهمة جداً لإسرائيل، لا بل أقول إنها كانت مسألة حياة أو موت، واسرائيل تعتبر السودان إحدى الدول الأكثر خطورة، بسبب مساحته وخيراته الباطنية، ويكفي أن ننظر إلى الخريطة لنرى الشواطئ مع البحر الأحمر. وبالتالي فإن إسرائيل فكرت دائماً بضرورة أن تكون الخرطوم مشغولة دائما بحدودها، أولا بجنوب السودان من خلال تشجيع الحركات الانفصالية في الجنوب، وقامت إسرائيل بعقد تحالف دائري مع دول الجوار السوداني، وخصوصاً أثيوبيا واريتريا وأوغندا، وأصبحت أوغندا مهمة جدا ومركزية في الخريطة الاستراتيجية لإسرائيل، وكان الهدف تطويق السودان والبدء بتقطيع أوصاله».
ويضيف الكاتب «منذ العام 1956 بدأت إسرائيل بتشجيع حركة آنيا نيا حتى العام 1972، وبعد ظهور الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون غارانغ، دعمت إسرائيل غارانغ منذ البداية بالسلاح والمستشارين. ثم منذ العام 2003 لاقت حركة جنوب السودان التي تدعمها إسرائيل تشجيعاً ساهم في امتداد التمرد إلى غرب السودان، أي دارفور، أي أن إسرائيل شجعت في البداية انفصال جنوب السودان الذي سيتم بعد استفتاء الأسابيع المقبلة، وستشجع التمرد في دارفور».
ويتابع بيان «حاولت أن أبرهن في كتابي انه لكي نحلل ما يجري في السودان، خصوصاً الاستفتاء الذي يجري في كانون الثاني، يجب أن نفهم لعبة الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل لفهم تشجيع التمرد». ويرى انه «بالنسبة للولايات المتحدة التي تفكر على مستوى عالمي، فان السودان هو البلد الأكبر مساحة في كل أفريقيا والعالم العربي، بحيث تصل هذه المساحة إلى أكثر من مليوني كلم مربع، ثم أن النقطة المهمة الثانية تتعلق بحدود السودان مع 10 دول افريقية وعربية مهمة، وهو بالتالي دولة مفترق طرق. أما النقطة الثالثة فتكمن في أهمية المصادر والاحتياطي النفطي المهم. هذه هي النقاط المهمة بالنسبة للأميركيين الذين يحاولون فرض سياستهم على السودان، كما أن العيون الأميركية كانت مسلطة على الخرطوم في التسعينيات انطلاقاً من خشيتهم من أن يصبح هذا البلد ملجأ إسلاميا على المستوى الدولي. فلنتذكر انه في تلك المرحلة كان السودان قد استقبل (زعيم تنظيم القاعدة) أسامة بن لادن بعد نزع الجنسية السعودية عنه. وكان بن لادن متهماً آنذاك بتدبير وتنفيذ عمليات ضد الولايات المتحدة».

ويشرح بيان «بعد التجربة المأساوية الأميركية في الصومال، قررت الولايات المتحدة التوقف عن التدخل المباشر، لكن الخرطوم كانت تعتبر من وجهة نظر إسرائيل والولايات المتحدة، بعد وصول (الرئيس عمر) البشير إلى السلطة ومعه الدكتور (حسن) الترابي، إنها خطيرة جداً.
 وكان لا بد إذاً من تشجيع قادة الدول المجاورة للسودان أي اريتريا وأثيوبيا وأوغندا ثم رواندا وزائير لإقامة ذاك التحالف المقدس، والذي سيكون احد أهدافه قلب النظام في الخرطوم. وأنا اشرح في كتابي أن هذا التحالف لم ينجح، فقد وقعت حرب بين أثيوبيا واريتريا ولوران ديزيريه كابيلا الذي كان بمثابة ألعوبة بين أيدي أوغندا ورواندا، انفصل عنهما، وبالتالي فان التحالف المقدس تفكك. لكن أوغندا كانت قد أصبحت دولة مركزية بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، لأنه لو نظرنا إلى الخريطة، سنجد أن لجنوب السودان حدوداً مشتركة مع أوغندا وانطلاقا من هذه الدولة، وكذلك من اريتريا وأثيوبيا فان عمليات سرية نفذت في جنوبي السودان، وبدأت كل تحركات زعزعة استقرار الجنوب بغية فصله. ومنذ العام 1983 أي حين بدأ (الرئيس الأوغندي يوري) موسيفيني التمرد، فهمت إسرائيل ثم بريطانيا فالولايات المتحدة انه أصبح شخصاً مهماً، ويمكن أن يستلم السلطة، فشجعته، وبات منذ ذلك الوقت رجل المنطقة والحليف الأفضل للدول الثلاث، أي إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة، وكان احد أهم الأهداف مراقبة الخرطوم وتشجيع حركات التمرد في الجنوب السوداني».
وينقل الكاتب بيان عن صامويل هانتنغتون في مؤلفه الشهير «صدام الحضارات» وكذلك عن وثيقة لـهيلموت ستريزيك وعن كتاب اليكس وال الذي يحمل عنوان «الاسلاموية وأعداؤها»، انه بعد وصول بيل كلينتون إلى الرئاسة الأميركية، تشكلت جبهة معادية للاسلاموية، وأبدت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مادلين أولبرايت اهتماما خاصا بدور السودان في الصراع الشرق أوسطي، وتساءلت عن أهمية قلب نظام الرئيس عمر البشير والدكتور حسن الترابي، لمصلحة حكومة يقودها زعيم التمرد الجنوبي جون غارانغ.
إن ما جاء في الكتاب الفرنسي يستحق فعلا التوقف عنده طويلا، خصوصا انه يرصد ما جرى في أميركا من تظاهرات ومؤتمرات وتحركات بغية التأسيس لآلة الدعاية اليهودية، ومن قبل المحافظين الجدد لتفكيك السودان، حيث تحدث عن تظاهرة «أنقذوا دارفور» سارداً أسماء كل المنظمات اليهودية واللوبيات التي موّلتها وحركتها مع استئجارها السيارات لنقل المتظاهرين.
دور اليهود والمحافظين في تأليب دارفور

وما يقوله بيان، نجد صداه العلني في مقال للكاتب الإسرائيلي غال بيكيرمان حيث يقدم في صحيفة «جيروزاليم بوست» خريطة لافتة للذين شاركوا في تظاهرة «أنقذوا دارفور»، ويقول إن «الائتلاف المنظم للتظاهرة والذي قدم نفسه باسم «تحالف من أكثر من 130 منظمة إيمانية وإنسانية» بالإضافة لمنظمات حقوق الإنسان، جاء فعلياً وحصرياً بمبادرة من الجالية اليهودية في أميركا... ومن المرجح بشدة أن هذا الائتلاف مكوّن من كيانات وجمعيات متنوّعة سياسياً ودينياً من الجماعات اليهودية المحلية والوطنية فقط. وفي 15 نيسان، تم الإعلان عن هذه التظاهرة في صحيفة «نيويورك تايمز»، وعلى شكل صفحة كاملة، وذلك برعاية مجموعة من الهيئات المحلية اليهودية، بما في ذلك مركز الجالية اليهودية في مانهاتن، والجاليات اليهودية المتحدة، والـ«يو جي أي» في نيويورك والمجلس اليهودي للشؤون العامة، كما كانت هناك غيرها من المنظمات الدينية الرئيسية، مثل مؤتمر الولايات المتحدة للأساقفة الكاثوليك والرابطة الوطنية للإنجيليين...
 ولو ذهبنا نحو فرنسا، فسنجد أسماء ذات دلالات يهودية واضحة دعمت دارفور ولكنها قدمت الأمر من خلال مساعٍ إنسانية لوقف ما تصفها بالمجازر، ومنها مثلاً (وزير الخارجية السابق) برنار كوشنير أو الفيلسوف برنار هنري ليفي وبعض المنظمات اليهودية الفرنسية، وهو ما جعل البعض يتحدث عن دبلوماسية الظل خصوصاً أن أولبرايت اليهودية الأصل على سبيل المثال قد سبقت بسنوات هيلاري كلينتون في دعم حركات الانفصال في السودان والضغط على الخرطوم».
ويبني بيان تماماً كالكثير من المحللين الغربيين جزءاً من كلامه على تلك المحاضرة التي ألقاها آفي ديختر في تل أبيب للحديث عن الدول العربية، وبينها ما يتعلق بعمل إسرائيل لاختراق السودان وتفكيكه. فماذا تقول الوثيقة؟
ديختر: فلنفكك السودان

هي محاضرة ألقاها مسؤول الأمن الداخلي السابق في إسرائيل آفي ديختر في 4 أيلول 2008، وابرز ما جاء فيها عن السودان هو الآتي: «السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يمكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لمصر والعراق والسعودية. والسودان شكل عمقا استراتيجيا لمصر، وتجلى ذلك بعد حرب 1967 حيث تحول إلى قواعد للتدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية، وأرسل قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف. وكان لا بد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة، خصوصاً أن ذلك ضروري لدعم وتقوية الأمن القومي الإسرائيلي. أقدمنا على إنتاج وتصعيد بؤرة دارفور، لمنع السودان من إيجاد الوقت لتعظيم قدراته».
ويضيف ديختر «نجحت استراتيجيتنا التي ترجمت على أرض الجنوب سابقا وفي غربه حاليا، في تغيير مجرى الأوضاع في السودان نحو التأزم والانقسام، فيما ستنتهي الصراعات الحالية في السودان عاجلاً أو آجلاً بتقسيمه إلى عدة كيانات، وكل الدلائل تشير إلى أن الجنوب في طريقه إلى الانفصال». ويتابع «هناك قوى دولية بزعامة أميركا مصرة على التدخل في السودان لمصلحة استقلال الجنوب، وكذلك إقليم دارفور، كما حصل في إقليم كوسوفو. إن قدراً مهماً وكبيراً من أهدافنا في السودان قد تحقق على الأقل في الجنوب وهذه الأهداف تكتسب الآن فرص التحقيق في دارفور».
لم يكن ديختر الوحيد بين القادة الإسرائيليين الذين تحدثوا عن السودان كهدف مقبل، بل كان جميعهم يشيرون إلى الثمار الكثيرة التي يمكن لإسرائيل أن تجنيها من تلك المنطقة الأفريقية، خصوصاً ما يتعلق بسحب جزء من مياه النيل، وتطويق الأمن العربي، والضغط على مصر، وإقامة مواقع متقدمة لها في القارة الأفريقية التي كانت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر سداً منيعاً ضد الأطماع الإسرائيلية، وسنداً كبيراً للعرب وجسراً للغة العربية ونشر الإسلام.
إسرائيل وحركة تحرير السودان

كذلك، يقول عميد الموساد السابق موشيه فراجي في كتاب له بعنوان «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان» الصادر عن مركز دايان في العام 2002، إن «بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، أمر أجهزة الأمن للاتصال بزعامات الأقليات في العراق والسودان وإقامة علاقات معها. وأقامت إسرائيل تاريخياً محطات اتصال في كل من أثيوبيا وأوغندا وكينيا والكونغو. والتركيز على دور إسرائيل الكبير والرئيسي بعد انفصال جنوب السودان وتحويل جيش الجنوب إلى جيش نظامي، خصوصاً أن تكوينه وتدريبه كادا يكونان صناعة إسرائيلية كاملة». وأضاف أن «التأثير الإسرائيلي على دور هذا الجيش سيكون ممتداً حتى الخرطوم. وحين يمتد التأثير الإسرائيلي إلى أرجاء السودان كافة، سيتحقق الحلم الاستراتيجي الإسرائيلي في تطويق مصر، ونزع مصادر الخطر المستقبلي المحتمل ضدنا».
والواقع أن جل الكتب والوثائق المتعلقة بالسودان وكثير منها غربي وموثق، يشير إلى أن إسرائيل دربت جزءاً من الجيش الشعبي لتحرير السودان، وأقامت علاقات قوية معه منذ فترة طويلة، ولعل العلاقة الفريدة التي تباهى بها باقــان أموم احد قيــاديي الحركة مع إسرائيل، ليست سوى غيض من فيض تلك العلاقات، حتى ولو أن مؤســس الجيش والحركة الشعبية الراحل جون غارانغ كان قد حاول الابتــعاد في فترة معينة عن العلاقة مع إسرائيل وعقد مصالحة تاريخيــة مع نظام الخرطوم، وبات النائب الأول للرئيس عمر البشير، وثمة من يقول إن ذلك قد يكون سبب قتله، حيث لم تعرف حتى اليوم الأسباب الحقيقية لتحطم طائرته.
الإسلام السوداني عدو أميركا

ويروي رئيس الوزراء الرواندي السابق جيمس غازانا في مؤلفه «رواندا من الحزب الدولة إلى دولة الحماية» أن «الإستراتيجية الأميركية ضد الإسلام السوداني قد ضحت برواندا، وان الدعم العسكري والدبلوماسي للجبهة الشعبية لرواندا عبر أوغندا كانت جزءاً من الإستراتيجية العامة لدعم جيش التحرير الشعبي السوداني بقيادة غارانغ، وان أوغندا كانت بمثابة الغطاء للعمليات في جنوب السودان وان موسيفيني أصبح الحليف الوحيد الثابت ضد الأصولية الإسلامية».
روجر وينتر مبعوث لتفكيك السودان
ويقول مستشار الرئيس السوداني غازي صلاح الدين إن «غارانغ تلقى الدعم من الولايات المتحدة واسرائيل لفترة طويلة، وان المبعوث الأميركي روجر وينتر المدير التنفيذي لشؤون اللاجئين في أميركا، وهو احد المحافظين الجدد ووصولي، عمل على مشروع اسمه أفريقيا الجديدة. لديه مشروع طويل الأمد وهو خلف الكثير من مشاكلنا، وهو أيضاً أحد الشخصيات الأكثر خطورة بالنسبة للسودان».
ووفق مسؤول الاستخبارات السودانية محمد الملا فإن «وينتر كان ينظم اللقاءات بين زعيم التمرد الجنوبي غارانغ ومتمردي دارفور. وان وينتر ارتبط بعلاقات قوية مع الموساد الإسرائيلي، ونشط مجموعات الضغط أو اللوبيات في أميركا ضد الخرطوم». ويضيف أن «وينتر كان يحضر كل اجتماعات الحركة الشعبية لتحرير السودان، ويفتعل المشاكل بين الشمال والجنوب».
ويقول المسؤول السابق للاستخبارات السودانية قطبي المهدي إن وينتر «كان مستخدماً من اللوبيات المقربة من إسرائيل لبث الدعايات ضد السودان عبر التلفزيونات، ومن خلال الأمم المتحدة ، قبل أن ينضم إلى الإدارة الأميركية. وكان ينظم لقاءات صحافية ويتحدث عبر ابرز وسائل الإعلام الأميركية وأمام الكونغرس للضغط على نظام الخرطوم». وتابع إن «الرئيس الرواندي بول كاغاميه قال عنه حين منحه أعلى الأوسمة في بلاده، إن وينتر كان مستشاراً متطوعاً لخدمة غارانغ في جنوبي السودان، وبطل الحركة الشعبية لتحرير السودان».
إن من يقرأ التصريحات الأخيرة لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون حول «الانفصال الحتمي» لجنوب السودان، ويتمعن في المغريات الأميركية الأخيرة التي قدمت للخرطوم بغية تسهيل الاستفتاء وصولاً لفصل الجنوب، يفهم أن جزءاً من تلك المؤامرة قد نجح فعلاً. وبغض النظر عن الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها التجربة الإسلامية في السودان لجهة العجز عن تقديم «مشروع جاذب» لأهل الجنوب والحفاظ على وحدة البلاد، فالأكيد أن ما سيصيب السودان سيبعث بشراراته القومية ضد الأمن القومي العربي، ولعل مصر ستكون أول المصابين.
إن معركة المياه والأمن هي معركة موت أو حياة بالنسبة لإسرائيل في أفريقيا، بحسب الكاتب الفرنسي بيار بيان، فهل ثمة من يقرأ ليعتبر؟ 
المصدر: السفير، بيروت، 10/12/2010



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق