الجمعة، 21 يناير 2011


أمين الحسيني وريم الرياشي.. نماذج أمة خالدة

[ 19/01/2011 - 07:14 ص ]
خميس بن عبيد القطيطي
.. تكررت على مسامعنا خلال الأسبوع الحالي مقدمة أبيات الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي (إذا الشعب يوماً أراد الحياة)، وإرادة الحياة تجلت بإرادة الشعوب العربية والإسلامية التي عرفت الكفاح المسلح وعرفت الجهاد وناضلت من أجل استرداد حقوقها، ولا نعتقد أبداً أن تاريخاً ماجداً كتاريخ العرب ماض إلى أفول، وكما قال أمير الشعراء: كلما أنَّ في العراق جريحٌ لمس الشرق جرحه في عمانه.
هكذا هم أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، ستبقى امتنا العربية والإسلامية بخير طالما بها رجال شرفاء ذوو عزائم فريدة، ولا يمكن لهذا السياق البسيط أن يفيهم حقهم، فهم من صنعوا المجد وهم من رسموا درب الكفاح والانتصار، واليوم كلما مرت ذكراهم نفهم من رسالتهم أنهم يناشدون الأمة الثبات والاستمرار على نفس المسيرة مسيرة النضال والمقاومة حيث الشموخ والكرامة والإباء العربي الذي لن تختفي شمسه ولن تتوقف رياحه، هذه الأيام تمر الذكرى السابعة لاستشهاد إحدى الماجدات في فلسطين، هناك حيث الرباط إلى يوم القيامة وقد لاقت ربها عزيزة كريمة مقدمةًً درسا عظيما في تاريخ النضال، فهي الشهيدة القسامية ريم صالح الرياشي التي نفذت عمليتها الاستشهادية رفضا للظلم والطغيان الذي مارسته وتمارسه قوات الاحتلال الصهيونية وهي في ربيعها الثاني والعشرين، فقد كانت تمني النفس بالشهادة منذ مدة طويلة فحقق الله تعالى أمنيتها، تعد الشهيدة ريم الرياشي المرأة الأولى في كتائب القسام التي تقدم نفسها في عملية استشهادية بطولية، وقد كانت عمليتها على حاجز إيريز بقطاع غزة، والشهيدة ريم الرياشي هي أم لطفلين أحدهما كان رضيعا، هذه العملية جاءت متسقة مع إرادة الحياة فشربت ماء الحياة من أجل الحياة الباقية واسترداد الكرامة والشرف ورسالة في نفس الوقت للأعداء أن أمة بهذه الصفات هي امة خالدة لا تموت.
الشهيدة ريم صالح الرياشي قدمت نفسها على طريق النضال المقدس سبقها في هذا الطريق رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه والأوطان، والذكرى السابعة لاستشهاد البطلة ريم الرياشي تتوافق اليوم مع ما تتعرض له مدينة القدس الشريف من ممارسات صهيونية جائرة حيث عاصفة التهويد العاتية التي شملت الأرض والمقدسات، وهي ماضية بسرعة لالتهام ما تبقى من المدينة المقدسة التي تحتضن المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وفيها الكثير من المقدسات الإسلامية الأخرى، وكم من المقالات والنداءات والمناشدات والصرخات المتصاعدة من القدس ومن المسجد الأقصى تنادي أخوة الإسلام إذا الإسلام قد حملوا تنادي العرب والمسلمون أن قدسكم التي ظلت سنينا طويلة صامدة في وجه الأعداء هي اليوم تسقط أمام ضربات التهويد، وتذكيرا بدماء الشهداء المناضلين الذين دافعوا عنها طوال التاريخ الرجال الشرفاء الذين ذادوا عن حياضها، ولعلنا في هذا التوقيت اليوم نقف أمام ما تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي من عمليات هدم لمنازل الفلسطينيين وممتلكاتهم ومن ضمنها مقر إقامة الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وفلسطين الراحل.
وهنا نناشد أبناء الأمة العربية والإسلامية أن تقف وقفة احتجاج صارخة للفت انتباه المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والرأي العام العالمي لما يجري في القدس الشريف والمسجد الأقصى وما حوله، وقفة عظيمة مدوية تسجل في التاريخ لأبناء هذه الأمة وذلك لمناصرة الأشقاء من أبناء الشعب الفلسطيني في نضالهم المقدس، نريدها وقفة صادقة مدوية كما وقفتها شعوبنا العربية من أجل الخبز والماء وقد نجحت!فهي من أجل فلسطين أحق بالنجاح؟! وهي تتكئ على أعظم قضية في تاريخ الأمة المعاصر قضية فلسطين، وهناك في مدينة القدس الشريف حيث بدت مؤشرات سقوطها واضحة للعيان لم يبق بها الصهاينة ما يشير إلى عروبتها وإسلاميتها وفقا لمخططهم الحديث في تغيير معالم المدينة، ومن أجل تحقيق هدفهم المزعوم بإقامة الهيكل المزعوم، فلك الله يا قدس الأقداس إن لم تقف امة المليار وقفة دفاع ومقاومة ضد هذا الزحف الصهيوني الهمجي الجارف.
يأتي مشروع الهدم والتهويد في القدس الشريف لإلغاء كل ما يتصل بالرموز الفلسطينية والهوية العربية فيها، واليوم تدور دائرة التهويد لتشمل فندق شبرد الذي أقيم في مقر إقامة الحاج أمين الحسيني في القدس الشريف وهي من الرموز الصامدة التي تذكر الأجيال بهذا الرجل المجاهد الذي قاوم العدو بكل الوسائل ولم يأل جهدا حتى لقي ربه صابرا محتسبا عزيزا كريما، والحاج أمين الحسيني لمن لم يقرأ عنه هو محمد أمين محمد الحسيني ولد في القدس الشريف عام 1897م، درس علوم القرآن واللغة العربية والعلوم الدينية في سن مبكرة وواصل دراسته في الأزهر كما واصل دراسته الجامعية في كلية الآداب في الجامعة المصرية وفي مدرسة محمد رشيد رضا (دار الدعوة والإرشاد)، ولكن مع نشوب الحرب العالمية الأولى توجه إلى اسطنبول للالتحاق بالكلية العسكرية هناك، وقد شارك الحاج أمين الحسيني في العمل الوطني الفلسطيني منذ نهاية الحرب العالمية الأولى فنظم صفوف المتطوعين العرب لاسترداد القدس وفلسطين من القوات الانجليزية، وشارك في عقد المؤتمر العربي الفلسطيني الأول عام 1918 وشارك في المظاهرات الفلسطينية عام 1920م واتهمته القوات البريطانية أنه وراء تلك المظاهرات فهرب إلى سوريا وبعد عودته إلى فلسطين توفي شقيقه مفتي القدس فتولى منصبه ما ساهم في عظم مسئوليته، شارك في إدارة العمل التطوعي في مختلف الجمعيات وتجنيد الشباب للقتال للتخلص من الاحتلال وأجرى اتصالاته مع العديد من الرموز في العالم العربي والإسلامي منهم عبدالقادر الحسيني والشيخ عز الدين القسام، فكان النضال العسكري بقيادة الشيخ عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني بينما تولى النضال السياسي الحاج أمين الحسيني وهو المنسق للجهود العسكرية، فقامت الثورة الفلسطينية عامي 1929م/1933م، ثم نشبت الثورة الفلسطينية الكبرى (1936 - 1939م) ويتولى الحاج أمين الحسيني مسئولية اللجنة العربية العليا لفلسطين، وتحاصر السلطات الانجليزية المفتي ويلجأ إلى المسجد الأقصى يدير الثورة من هناك ثم يتوجه إلى لبنان ويتنقل بعد ذلك بين العراق وإيران وبعض العواصم الأوروبية، وعندما أُعلن قيام دولة "إسرائيل" على أرض فلسطين قام الحاج أمين الحسيني بتنظيم المتطوعين العرب والفلسطينيين وكان رئيساً للجنة العربية العليا لفلسطين، وبعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1948م قام المفتي بإعلان استقلال فلسطين وقيام حكومتها، ثم قام بالإشراف على تنفيذ الكثير من العمليات الفدائية ومثل فلسطين في مؤتمر عدم الانحياز في باندوج عام 1955م، وانتقل الحاج الحسيني إلى بيروت عام 1961م ونقل معه مقر اللجنة العربية العليا إلى هناك، وبعد نكسة عام 1967م بدأ الحاج أمين الحسيني نشاطه من أجل القضية الفلسطينية من جديد مؤكداً على أن الكفاح المسلح هو الطريق للاستقلال حتى فاضت روحه إلى بارئها عام 1974م.
هدمت الجرافات الإسرائيلية فندق شبرد مقر إقامة الشيخ المجاهد الحاج أمين الحسيني بحي الشيخ جراح وسط مدينة القدس يوم التاسع من يناير 2011م في اليوم المتوافق مع حدث آخر استقطب الأنظار وهو يوم الاستفتاء في جنوب السودان مستغلة هذا الحدث لصرف الأنظار عما يحدث في القدس الشريف، ثم جاء حدث آخر كبير على الساحة العربية وهو نجاح الثورة الشعبية التونسية والتي سقط على إثرها الرئيس التونسي وهو الحدث الذي استقطب الإعلام العربي والعالمي، وهنا تجلت إرادة الحياة للشعب التونسي والتي استجاب لها القدر، والتي يجب أن تتجلى أيضاً في فلسطين بدعم عربي إسلامي وتقديم موقف عظيم تعبر به الأمة عن نفسها في هذا الوقت العصيب الذي تمر به فلسطين والقدس الشريف والتي كافح من أجلها الرجال الأوائل أمثال الحاج أمين الحسيني والشهيد ياسر عرفات وعز الدين القسام ويحيى عياش وأبو علي مصطفى ومحمود أبو هنود وصلاح شحادة وإسماعيل أبو شنب والشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي والشهيدة دلال المغربي والشهيدة ريم الرياشي التي كان استشهادها يوم 14/1/2004م وغيرهم المئات، لتسجل الأمة وقفة إكبار وإجلال لمناضليها الشرفاء الذين ذهبوا في قائمة الشهداء وهناك من سيلحق بهم على درب النضال والكفاح المقدس من أجل استرداد الحقوق، والأمة الإسلامية اليوم مطالبة بإبلاغ رسالتها بوقفة احتجاج سلمية كبرى في جميع أنحاء العالم الإسلامي لتوجيه رسالة للعالم الحر والرأي العام العالمي رفضا لما يحدث في القدس الشريف ومناصرة الأشقاء في فلسطين.
اليوم يخاطب الحاج أمين الحسيني الشهيدة البطلة القسامية ريم الرياشي مؤكداً أن عمليتها الاستشهادية تأتي في قافلة النضال العظيم الذي حفل بالتضحيات والبطولات وسطرت بها إحدى ملاحم الفداء العظيمة وأبقت جذوة المقاومة تعبر عن نفسها متى ما قرر العدو الدخول في مغامرة جديدة، وأرسلت إشارة واضحة إلى أن هذه الأمة بخير ما زالت تقدم نماذج عظيمة من المناضلين المقاومين الأبطال وبالتالي فهي أمة خالدة بإذن الله، وهي رسالة إلى أبناء الأمة أن المقاومة في سبيل الحق والكرامة هي مقاومة مشروعة لاستعادة الحقوق ومواجهة المشاريع الصهيونية الماكرة، والمقاومة وحدها هي الطريق نحو البقاء والحياة.
كاتب عماني
صحيفة الوطن العما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق