كتاب لجنرال إسرائيلى يكشف العلاقة بين حركة الانفصال بجنوب السودان وإسرائيل
المقال الأول من صحيفة الأهرام القاهرية
http://www.ahram.org.eg/archive/Index.asp
هذا عنوان مهم سقط من نشره اخبار الاسبوع الماضي: اسرائيل كانت الحاضر الغائب في عمليه توقيع اخر البروتوكولات بين حكومه الخرطوم وحركه تحرير السودان, التي تفتح الطريق لاغلاق ملف الحزب المستعره في الجنوب منذ عشرين عاما. وهو ما يدعونا لان نحتفي بذات الحدث مرحليا, في حين تزعجنا مالاته استراتيجيا, اما كيف ولماذا, فاليك الحكايه.
(1)
احتفاونا واجب بانهاء الحرب التي خربت البلاد وانهكت العباد, وخاضتها حكومه الخرطوم وحيده ومكشوفه الظهر. طوال الوقت, في حين احتشد ابالسه الانس وراء الطرف الانفصالي في الجنوب. الا انه حين تذهب السكره وتجيء الفكره, سوف نكتشف ان اولئك الابالسه لم يساندوا الجنوبيين لوجه الله, وانما لهم مراميهم المتعدده والبعيده, التي يعد الامساك بخناق مصر في مقدمتها. وقبل ان يقول قائل ان هذا الكلام يستعيد منطق الموامره, فانني ارد بكلمتين اثنتين, اولاهما ان الموامره مقطوع بها, والثانيه ان ثمه اعترافا اسرائيليا بوجودها. ومن اراد ان ينكرها بعد ذلك, فانه سيكون كمن ينكر وجود الشمس او دوران الارض, بحيث ان المشكله ستكون عنده وليس عندنا. وعليه ان يعالج نفسه مما اصاب بصره او عقله.
الاعتراف الاسرائيلي الذي اعنيه وارد في كتاب من مائه صفحه صدر في العام الماضي عن مركز ديان لابحاث الشرق الاوسط وافريقيا, التابع لجامعه تل ابيب. عنوان الكتاب هو: اسرائيل وحركه تحرير جنوب السودان نقطه البدايه ومرحله الانطلاق. اما مولفه فهو ضابط سابق(عميد متقاعد) تبين معلوماته انه وثيق الصله بدوائر القرار في المخابرات الاسرائيليه( الموساد), اسمه موشي فرجي.
اهميه الكتاب تكمن في امرين, اولهما انه يشرح بالتفصيل الدور الكبير الذي قامت به المخابرات الاسرائيليه في مسانده حركه تحرير الجنوب, سواء علي صعيد الامداد بالسلاح والخبراء والمال. او علي صعيد حشد التاييد الدبلوماسي والسياسي لصالحها الامر الثاني الذي لا يقل اهميه او خطوره انه يشرح علي وجه الخصوص بالتفصيل ايضا استراتيجيه اسرائيل لاضعاف العالم العربي بوجه عام, واضعاف مصر علي وجه الخصوص. وكيف ان تلك الجهود الحثيثه استمرت حتي بعد توقيع مصر اتفاقيه السلام مع اسرائيل في عام1979 م.
لعلي لا ابالغ اذا قلت ان الكتاب في مجمله بمثابه تسجيل بروتوكولات الاستراتيجيه الاسرائيليه في المنطقه. ذلك انه يتضمن كما هائلا من المعلومات المثيره التي تسلط الضوء علي سياساتها وممارساتها في العالم العربي وافريقيا. ومن اسف انني مضطر للاكتفاء بعرض مضمونه مختصرا, متمنيا ان تقوم ايه جهه نشر عربيه بطباعه الكتاب وتعميمه, لكي تفتح اعين الجميع علي جانب مهم مما يدبر لنا وينسج من حولنا, ونحن لاهون او غير مكترثين.
(2)
نحن شعب صغير, وامكانياتنا ومواردنا محدوده, ولابد من العمل علي علاج هذه الثغره في تعاملنا مع اعدائنا من الدول العربيه, من خلال معرفه وتشخيص نقاط الضعف لديها. وخاصه العلاقات القائمه بين الجامعات والاقليات العرقيه والطائفيه, بحيث نسهم في تفخيم وتعظيم هذه النقاط, لتتحول في النهايه الي معضلات يصعب حلها او احتواوها.
هذا الكلام وجهه دافيد بن جوريون اول رئيس وزراء لاسرائيل الي قيادات الجيش وغيرهم من عناصر الموسسه الامنيه واجهزه الاستخبارات والمهمات الخاصه. وفي اعقابه صدرت الاوامر الي الاجهزه الاسرائيليه بان تتولي الاتصال بزعامات الاقليات في المنطقه, وتوثيق العلاقات معها.
لتنفيذ هذه السياسه شكل بن جوريون في مطلع الخمسينيات فريق عمل ضم العديد من الخبراء في الشئون الاستراتيجيه والسياسيه ضم الشخصيات التاليه:
اسرائيل جاليلي, خبير الشئون الاستراتيجيه وبناء القوه العسكريه.
ايجال باوين: خبير الشئون العسكريه ورئيس الاسكان.
موشيه ساسون: خبير الشئون السياسيه والعربيه والسوريه منها بوجه اخص.
روبين شيلوح, خبير العلاقات السريه مع الاقليات, خصوصا الاكراد وايران.
جولدا مائير: خبيره الشئون السياسيه والاتصال.
هذا الفريق توصل بعد عده اجتماعات الي وضع استراتيجيه تقوم علي ثلاث ركائز هي:
* اولا: بناء قوه عسكريه متفوقه للاحتفاظ بقوه ردع قادره علي حمايه امن اسرائيل, والحيلوله دون انزال ايه هزيمه بها, لان هزيمه واحده تهدد الوجود الاسرائيلي, في حين ان بمقدور العرب ان يتحملوا اكثر من هزيمه.
* ثانيا: توثيق علاقات التعاون والتحالف مع اهم الدول المحيطه بالعالم العربي, تطبيقا لسياسه شد الاطراف, التي استهدفت اقامه ما عرف بحلف المحيط. والدول التي توجهت اليها الانظار هي تركيا اولا وايران ثانيا واثيوبيا ثالثا. وهو ما اعتبر بحسب تعبير المولف الركن الركين في جدار السياسه الخارجيه الاسرائيليه. في منتصف الخمسينيات نجحت الجهود الاسرائيليه في اقامه علاقات خاصه مع تركيا في مختلف المجالات. بعد ذلك مباشره بدا التحرك صوب ايران, الذي اداره فريق من الخبراء الاسرائيليين, الذين كان بعضهم من اصول ايرانيه. ولاستكمال بناء صرح حلف الجوار للاستعانه به للضغط علي العرب وتهديد امنهم, جرت اتصالات نشيطه مع اثيوبيا, علنيه وسريه, لكي تكتمل زوايا المثلث عند مركزه الجنوبي من الوطن العربي, بعدما اكتمل من ناحيته الشرقيه والشماليه.
* الركيزه الثالثه في الاستراتيجيه تمثلت في عقد تحالفات مع الاقليات العرقيه والطائفيه في الوطن العربي, وهذه مساله تتطلب وقفه اطول.
(3)
اهتمت اسرائيل باقامه علاقات خاصه مع الاقليات العربيه, لا سيما تلك الاقطار المحاطه بدول غير عربيه( العراق وسوريا والسودان). وقد رسم هذه السياسه في بدايه الخمسينيات فريق الخبراء الذي شكله بن جوريون وقد افاض في شرحها وتفسيرها كل من روبين شيلواح وايلياهو ساسون وموشي شاريت حيث استهدفت العمل علي تشتيت الطاقه العربيه اما عن طريق افتعال المشاكل مع الدول الغربيه عبر دول الجوار غير العربيه, او من خلال التحالف مع الاقليات التي تعيش في تلك الاقطار: كالاكراد في العراق, وسكان جنوب السودان, والموارنه في لبنان, والدروز والاكراد في سوريا, واقليات اخري في دول عربيه مختلفه.
واذا القينا نظره متانيه ازاء الجهود الاسرائيليه في هذا المضمار السريه منها والعلنيه فسنجد ان اسرائيل جندت الخبراء المتخصصين في مجال العلاقات مع هذه الاقليات بهدف شحذها وتحفيزها علي التمرد والانفصال واقامه الكيانات العرقيه الخاصه بها. وكان في مقدمه هولاء روبين شيلواح, ويورام غرواي, واوري لوبراني, ومردخاي بن فرات وشوشانا اربيلي للتحرك واجراء الحوار مع الاكراد. واسندت الي كل من ايلياهو ساسون وايسر هرائيل رئيس جهاز الموساد التعامل مع الاقليات في كل من سوريا ولبنان.
هذا المرتكز الاخير الخاص بالاقليات يعتبر من الاهميه بمكان في فهم واستيعاب الاستراتيجيه الاسرائيليه ازاء المنطقه العربيه والتي من خلالها يتم تشجيع وحث الاقليات في المنطقه في التعبير عن ذاتها الي درجه الحصول علي حق تقرير المصير والاستقلال عن الدوله الام ايا كانت طبيعه هذه الاقليات من حيث الحجم والنوعيه ولا شك ان مثل هذا المنطق كان هدفه الاساسي تاكيد او السعي لتاكيد حقيقه ان المنطقه العربيه ليس كما يوكد العرب دوما انها تشكل وحده ثقافيه وحضاريه واحده. وانما هي خليط متنوع من الثقافات والتعدد اللغوي والديني والاثني. وقد اعتادت اسرائيل تصوير المنطقه علي انها فسيفساء تضم بين ظهرانيها شبكه معقده من اشكال التعدد اللغوي والديني والقومي ما بين عرب وفرس واتراك وارمن واسرائيليين واكراد وبهائيين ودروز ويهود وبروتستانت وكاثوليك وعلويين وصابئه وشيعه وسنه وموارنه وشركس وتركمان واشوريين... الخ.
انطلقت اسرائيل في ذلك من الالحاح علي ان المنطقه ماهي الا مجموعه اقليات وانه لايوجد تاريخ موحده يجمعها, ومن ثم يصبح التاريخ الحقيقي هو تاريخ كل اقليه علي حده. والغايه من ذلك تحقيق هدفين اساسيين هما: رفض مفهوم القوميه العربيه والدعوه الي الوحده العربيه. فتبعا للتصور الاسرائيلي تصبح القوميه العربيه فكره يحيطها الغموض ان لم تكن غير ذات موضوع علي الاطلاق.
الهدف الثاني هو تبرير شرعيه الوجود الاسرائيلي الصهيوني في المنطقه, التي تصبح في هذه الحاله خليطا من القوميات والشعوب واللغات, وتصور قيام وحده بينها هو ضرب من الوهم والمحال. من ثم فان النتيجه المنطقيه هي ان تكون لكل قوميه من هذه القوميات دولتها الخاصه بها وفي هذا الاطار تكتسب اسرائيل شرعيتها, باعتبارها احدي الدول القوميه في المنطقه.
يعد حديث ابا ايبان عن الفكر الاسرائيلي الصهيوني في هذا الصدد خير تعبير, ففي مجموعه كتاباته التي نشرت بعنوان صوت اسرائيل يعترض علي الافتراض القائل بان الشرق الاوسط يمثل وحده ثقافيه وان علي اسرائيل ان تتكامل مع هذه الوحده. ويوضح ان العرب عاشوا دائما في فرقه عن بعضهم, وان فترات الوحده القصيره كانت تتم بقوه السلاح, ومن ثم فان التجزئه السياسيه في المنطقه لم تكن بسبب الاستعمار كما يشاع, لان الروابط الثقافيه والتراث التي تجمع البلاد العربيه, من وجهه نظره, لايمكن ان تضع الاساس للوحده السياسيه والتنظيميه.
(4)
افاض المولف في شرح نظريه شد الاطراف التي هي محور الكتاب وموضوعه الاساسي. فذكر انها ترتكز علي عده عناصر ذات ابعاد عرقيه وعسكريه وسياسيه, وعرض لكل واحد من تلك العناصر علي النحو التالي:
من الزاويه العرقيه كانت الفكره بمثابه دعوه لخلق تجمع اثني يضم دولا وجماعات غير عربيه في اطار من العمل والتعاون لمواجهه المد القومي العربي, باعتبار ان ذلك المد يهدد تلك الدول والجماعات. وقد ركز الخطاب الاسرائيلي في هذا الصدد علي ان خطر ذلك التهديد يجب ان يدفع تلك الاطراف الي الاحتشاد في خندق واحد. وهذه الرساله نقلها بصراحه ووضوح بن جوريون الي كل من عدنان مندريس رئيس وزراء تركيا في اواخر الخمسينيات, وشاه ايران والامبراطور هيلاسلاسي. وهذا هو المعني الذي عبر عنه مائير عميت رئيس الموساد في حين القي في عام59 محاضره علي دفعه جديده من عناصر الموساد قال فيها: ان التهديد بالخطر العربي الذي جسدته حركه المد القومي, كان لابد ان ينجح في اثاره النوازع النفسيه لدي الجماعات غير العربيه داخل الدول العربيه, خاصه في العراق وسوريا ولبنان والسودان.. كما ان الوجود الاثني المتمثل في شعوب مثل الشعب الاسرائيلي والتركي والايراني والاثيوبي, الذي يتناقض مع العنصر العربي المهيمن علي المنطقه, شكل اساسا لقيام علاقه تحالفيه بين اسرائيل والدول التي تمثل تلك الشعوب.
فكره التخويف من الخطر العربي استثمرت عسكريا الي ابعد مدي. فقد ركزت اسرائيل علي انه لاسبيل الي صد ذلك الخطر الا باقامه تعاون عسكري وثيق بين اسرائيل وبين دول الجوار. وجندت لتلك المهمه ابرز الشخصيات العسكريه والسياسيه. في هذا السياق عقد اول لقاء بين رئيس الموساد روبين شيلواح وبين وفد عسكري تركي في روسيا عام1957, وتتابعت تلك اللقاءات في ايطاليا ودول اخري. وكان التعاون العسكري والامني لصد خطر المد العربي هو الموضوع الرئيسي لكل تلك الاجتماعات. وما حدث مع تركيا تكرر مع ايران واثيوبيا, حيث ركز بن جوريون في خطابه الموجه الي تلك الدول علي ان العرب يزعمون ان الشرق الاوسط هو شرق عربي, ومن الضروري ان تشكل الدول الاخري غير العربيه في المنطقه كتله واحده, لدحض تلك المقوله, وللدفاع عن وجودها واستقلالها.
هذا الجهد الاسرائيلي اثمر تعاونا امنيا وثيقا مع الدول الثلاث( تركيا, ايران, اثيوبيا). وادي الي تنظيم لقاءات سريه عده بين روساء الاركان في الدول الاربع, عقدت في كل من انقره وطهران عام1958. وفي سياق ذلك التعاون ارسلت اسرائيل اكثر من عشره الاف خبير عسكري وامني الي تركيا وايران واثيوبيا. وتطور هذا الرقم في السنوات اللاحقه, حتي وصل عدد الخبراء العسكريين الاسرائيليين في ايران وحدها عامي77 و78 الي اكثر من20 الف شخص. كما زودت اسرائيل كلا من تركيا وايران باسلحه من صنعها, مثل صواريخ بربر( جبريال) ومدافع هاون واجهزه رادار وبنادق ورشاشات من نوع عوزي.
ازاء النجاح الذي حققته اسرائيل علي ذلك الصعيد, فانها اصبحت مطمئنه الي ان تلك الدول اصبحت تمثل قوي احتياطيه لها في مواجهه العرب, وان اختلف الموقف بالنسبه لايران بعد قيام الثوره الاسلاميه في عام79.
في ذات الوقت اعتمدت الرويه الاستراتيجيه الشامله لنظريه شد الاطراف علي ضروره خلق اصطفاف سياسي متجانس ومترابط ومتحالف مع الغرب. وحرصت اسرائيل علي ان تقدم نفسها بحسبانها دوله تمثل امتدادا للغرب وعمقا استراتيجيا له. واعتبرت ذلك يشكل قاسما مشتركا لها مع تركيا, كما تعاملت مع ايران واثيوبيا علي انهما دولتان تدينان بالولاء للغرب. وفي سعيها لابراز عوامل التشابه او التطابق بينها وبين دول الجوار, فان اسرائيل ارادت ان تكسر جدار العزله السياسيه التي فرضت من حولها, لان تعاملها مع دول الجوار غير العربيه من شانه ان يوفر لها امكانيه التحرك اقليميا ودوليا باعتبارها دوله عاديه في المنطقه. وفي هذه النقطه نبه المولف الي ان تحقيق اسرائيل لغاياتها السياسيه في استراتيجيه شد الاطراف لم يكن يتاتي لولا مساعده القوي الغربيه التي وجدت ان مصالحها تتوافق مع اقامه هذه الشبكه من التحالفات. ولذلك فان جميع اتفاقات التعاون في مختلف المجالات بين اسرائيل والدول الثلاث لقيت دعما غير محدود من جانب الولايات المتحده وبريطانيا بوجه اخص.
(5)
الاستراتيجيه مازالت مستمره, لكن وسائلها تطورت او اختلفت, اما هدفها فقد ظل واحدا. فلم يعد الخطاب الاسرائيلي يركز علي التخويف من المد القومي العربي, وانما صار يمارس التخويف من خلال التلويح باخطار الارهاب والاصوليه الاسلاميه.. كما انه في ظل التداعي والضعف والتفكك العربي, فقد بات بديهيا ان تركز اسرائيل علي مقوله ان منطقه الشرق الاوسط لم تعد بحرا عربيا تقع فيه جزر اقليميه( مثل اسرائيل), وانما العرب هم الذين اصبحوا يشكلون جزرا صغيره, في حين ان القوي الموثره والفاعله في المنطقه اصبحت مقصوره علي اسرائيل ودول الجوار, خاصه تركيا. وفي راي المولف ان الظروف السائده الان عربيا واقليميا توفر افضل الفرص امام اسرائيل لتحقيق اهدافها, وعلي راسها تفتيت وتفكيك وحده الاقطار العربيه الرئيسيه, عبر تحريك واستثاره الاقليات والجماعات الاثنيه الموجوده فيها, كما حدث بالنسبه لاكراد العرق, وجنوب السودان. وكذلك محاوله تفجير الاوضاع من جديد في لبنان, وتفجير صراعات وحروب اهليه في دول عربيه اخري, علي غرار سوريا وليبيا والجزائر.
ثمه تطور مهم في استراتيجيه التفكيك والتفتيت طرا في السنوات الاخيره, يتمثل في ان نظريه شد الاطراف لم تعد تستهدف فحسب استنزاف الطاقات العربيه وتشتيتها بحيث تستهلك تلك الطاقات بعيدا عن ساحه المواجهه مع اسرائيل. وانما تجاوزت المساله هذه الحدود الي ماهو ابعد واخطر, بحيث تطورت فكره شد الاطراف الي بتر تلك الاطراف. بمعني سلخ الاطراف غير العربيه وفصلها عن الجسد العربي, من خلال التحالف مع دول الجوار.
اكد هذا المعني الباحث الاسرائيل زنيف شيف الذي ذكر ان استراتيجيه شد الاطراف التي تم تبنيها في اواخر الخمسينيات جري تجاوزها, بحيث اصبح المرفوع الان هو شعار البتر وليس الشد, وبمقتضي ذلك فان الدعم الموجه الي الجماعات العرقيه او الطائفيه تحول, بحيث لم يعد يستهدف اضعاف الموقف العربي في مواجهه اسرائيل. وانما اصبح الخطاب الاسرائيلي يولي اهميه خاصه لعمليه البتر لتلبيه طموحات الجماعات العرقيه والدينيه في الانفصال, وتشكيل الكيانات المستقله عن الدول العربيه.
كيف نفذ المخطط في السودان, وماهي النجاحات التي حققها؟ في الاسبوع القادم باذن الله نعرض اجابه المولف الاسرائيلي علي السوالين, وما يتفرع عنهما من اسئله اخري.
المقال الثانى..
نشر بجريدة الأسبوع القاهرية أيضا .. يبدو أنه منع من النشر بالأهرام ..
انتباه.. أصابع 'إسرائيل' في الخرطوم!...
بقلم: فهمي هويدي
النجاح الذي أحرزته الحركة الانفصالية في جنوب السودان بتحولها إلي شريك في حكم الخرطوم لا ينبغي أن ينسينا حقيقة مسكوتا عليها هي أن تلك الحركة كانت منذ البداية أداة استخدمتها 'إسرائيلي' لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدي هو : اضعاف مصر وتهديدها من الخلف، وهذا الكلام ليس من عندي، ولكنه اعتراف 'إسرائيلي' صريح وموثق.
(1)
تحدثت في الأسبوع الماضي عن كتاب أصدره مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وافريقيا (التابع لجامعة تل أبيب) حول 'إسرائيل وحركة تحرير السودان' الذي كتبه ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد موشي فرجي، وكان محور المقال التفكير الاستراتيجي 'الإسرائيلي' في التعامل مع العالم العربي ودول الجوار التي تحيط به، وقد لخصت تلك الاستراتيجية في السياسة التي تبنت موقف 'شد الأطراف ثم بترها'، علي حد تعبيرهم، بمعني مد الجسور مع الاقليات وجذبها خارج النطاق الوطني، ثم تشجيعها علي الانفصال (وهذا هو المقصود بالبتر) لاضعاف العالم العربي وتفتيته، وتهديد مصالحه في الوقت ذاته. وفي إطار تلك الاستراتيجية قامت عناصر الموساد بفتح خطوط اتصال مع تلك الاقليات، التي في المقدمة منها الأكراد في العراق والموارنة في لبنان والجنوبيون في السودان، وكانت جبهة السودان هي الأهم، لأسباب عدة في مقدمتها أنها تمثل ظهيرا وعمقا استراتيجيا لمصر، التي هي أكبر دولة عربية، وطبقا للعقيدة العسكرية 'الإسرائيلية' فإنها تمثل العدو الأول والأخطر لها في المنطقة، ولذلك فإن التركيز عليها كان قويا للغاية.
كتاب العميد فرجي شرح بتفصيل مدهش ما فعلته 'إسرائيل' لكي تحقق مرادها في اضعاف مصر وتهديدها من الظهر، وكيف أنها انتشرت في قلب افريقيا (في الفترة من عام 56 إلي 77 أقامت علاقات مع 33 دولة افريقية) لكي تحيط بالسودان وتخترق جنوبه، وكيف انتقت من بين زعماء الحركة الانفصالية واختبرت جون قرنق، فأعدته وساندته لكي يتحدي حكومة الخرطوم ويفرض نفسه عليها.
إلي جانب الضغط علي مصر، فإن تركيز 'إسرائيل' علي السودان كان جزءا من استراتيجيتها إزاء البحر الأحمر، الذي اعتبرته من البداية منفذا حيويا للغاية، حرصت علي أن تبقيه حرا أمام سفنها، وخشيت دائما من أن يصبح بحيرة عربية، يمكن استخدامها في حصارها، تكرارا لما حدث في حربي 67 و73 عندما اغلق العرب مضايق تيران وباب المندب علي التوالي.
(2)
عنوان الفصل الأول من الكتاب الذي صدر بالعبرية وتلقت إحدي الجهات المعنية بالأمر نسخة منه ترجمت إلي العربية، وهو 'افريقيا كمدخل إلي السودان' ويدهش المرء وهو يقرأ في ذلك الفصل أن 'إسرائيل' قررت احتواء افريقيا والانتشار في قلبها للاقتراب من السودان والاحاطة به، لكي تتمكن من النفاذ إلي جنوبه. وقد أشار المؤلف إلي أن هذا المخطط بدأ تنفيذه في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، وذكر في هذا الصدد ما نصه: حرصت 'إسرائيل' علي ايفاد أنشط الدبلوماسيين والخبراء والمستشارين إلي افريقيا علي غرار ايهود احزبائيل واشير بن ناتان رجل المهمات الصعبة في الموساد، حتي تجد موطئ قدم لها في جنوب السودان، من خلال اثيوبيا والكونغو (زائير سابقا) ثم أوغندا وكينيا، وقد لعب اهرون زعير أحد كبار رجال الموساد والمسئول السابق في جهاز الدفاع خطة الاحتواء، من خلال ايفاد اكثر من خمسة آلاف خبير ومستشار، في الزراعة والبناء والتشييد، بالإضافة إلي المستشارين العسكريين، من أجل تنظيم وتدريب وتسليح جيوش تلك الدول المجاورة للسودان.
أما مهندس العملية كلها فهو أروي لوبراني مستشار بن جوريون للشئون العربية، وهو الذي قال بوضوح: لابد من رصد وملاحظة كل ما يجري في السودان، ذلك القطر الذي يشكل عمقا استراتيجيا لمصر، بالإضافة إلي سواحله المترامية علي البحر الأحمر، وهو ما يوفر للسودان موقعا استراتيجيا متميزا، لذلك فمن الضروري العمل علي ايجاد ركائز إما حول السودان أو في داخله، ولأجل ذلك فإن دعم حركات التمرد والانفصال في جنوبه يغدو مهما لأمن 'إسرائيل'.
النجاح الذي تحقق في اثيوبيا كان ساحقا، هكذا قال مؤلف الكتاب موشي فرجي.. إذ استطاعت 'إسرائيل' أن تنتزع من امبراطورها هيلا سيلاسي موافقة علي أن يقوم رجالها بالاشراف علي كل أجهزة الأمن الأثيوبي، وشملت الصفقة اشراف عناصر 'إسرائيلية' نشطة علي جهاز الأمن الداخلي والشرطة والاستخبارات ووزارة الداخلية، وهذه السيطرة غير المسبوقة مكنت أجهزة الاستخبارات 'الاسرائيلية' (الموساد) وجهاز المخابرات العسكرية من تركيز اهتمامها ليس صوب السودان وحده، وإنما إزاء الدول العربية الأخري.
وإذ احتلت اثيوبيا أهمية خاصة في النشاط الاستخباري نظرا لقدرتها علي التحكم في منابع النيل، فقد تقاطر عليها قادة الأجهزة الأمنية 'الإسرائيلية' في أواخر الخمسينيات وبداية الستينيات علي نحو لافت للنظر بالتوازي مع ذلك، انشأت 'إسرائيل' في اثيوبيا شركة تجارية باسم 'انكودا' للمنتجات الزراعية وتعليب الأسماك لكي تكون واجهة اقتصادية لجهاز الموساد وقاعدة لانطلاق الجواسيس إلي كل من السودان واليمن وعدت (عاصمة اليمن الجنوبي آنذاك) وعبر هذه القناة جري الاتصال بحركة التمرد والانفصال في جنوب السودان في مراحلها الأولي.
كان التعاون العسكري هو أكثر ما اهتمت به 'إسرائيل' لذلك وصل عدد المستشارين 'الإسرائيليين' الذين تولوا مهام تدريب الوحدات الخاصة (في سنة 60) إلي 600 مستشار، وأدي ذلك تلقائيا إلي تدفق السلاح 'الإسرائيلي' إلي اثيوبيا،. بدءا بالرشاس 'عوزي' ووصولا إلي الصواريخ 'جبرائيل' والطائرات المقاتلة.
ليس ذلك فقط، وإنما سعت 'إسرائيل' إلي إقامة عدة قواعد عسكرية موجهة ضد الدول العربية، فعملت علي إقامة قاعدة بحرية في ميناء 'مصوع' عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بالإضافة إلي القواعد الجوية في كل من أثيوبيا وكينيا، والوجود الجوي في غينيا، بل ذهبت إلي حد إقامة قواعد جوية في تشاد، علي الأخص في المنطقة المجاورة لحدود السودان، وهذه تمثلت في ثلاثة مطارات أحدها مطار بحيرة 'ايرو' والثاني مطار 'الزاكومة' والثالث مطار 'مفور' وبعدما قطعت العلاقات الدبلوماسية بين تشاد و'إسرائيل' تبين أن مهمة تلك القواعد هي مراقبة الحدود الليبية والسودانية، بالإضافة إلي إمكانية استخدامها ضد مصر، لضرب أهداف منتخبة في مؤخرة الجبهة المصرية.
ما حدث في اثيوبيا تكرر في اوغندا، حيث أوفدت 'إسرائيل' عددا كبيرا من المستشارين العسكريين بقيادة العقيد باروخ بارسيفر لكي يتولي تنظيم وتدريب القوات المسلحة الأوغندية، بخاصة السلاح الجوي، وقد وصل عدد أولئك المستشارين إلي 500 شخص تغلغلوا في كل وحدات القوات المسلحة، وأصبحوا من الناحية العملية مسيطرين عليها، حيث عمل بعضهم كمستشارين لقياداتها، أو مشرفين علي المعاهد العسكرية التي اقيمت بدعم 'إسرائيلي' في أوغندا، علما بأن بعض الضباط الأوغنديين كانوا يفدون إلي 'إسرائيل' في بعثات عسكرية، وفي هذه الأجواء فإن تدفق الأسلحة 'الإسرائيلية' إلي أوغندا بدا أمرا طبيعيا، من الرشاش عوزي إلي دبابات شيرمان إلي طائرات المستير، وهذه الأسلحة لم تكن لحساب القوات المسلحة الأوغندية فقط، ولكنها كانت ترسل لهدف آخر أهم هو تزويد حركة الانفصال في جنوب السودان بما تحتاجه حين يجد الجد.
وبعد استقلال اريتريا عام1993 ألقت 'إسرائيل' بثقلها وراءها، وقدمت لها كل دعم سياسي وعسكري ممكن، حتي اعتبرها مؤلف الكتاب 'أقوي حليف استراتيحي ل'إسرائيل' في القارة الافريقية، وأهم قاعدة تشرف علي البحر الأحمر وتهدد أمن اليمن والسودان معا'. وفي عام 96 أصبحت تحتل المرتبة الأولي بين الدول الافريقية التي تتلقي مساعدات عسكرية من 'إسرائيل' وفي عام 97 وصل عدد المستشارين 'الاسرائيليين' الذين يعملون هناك إلي 650 ضابطا، بخلاف 60 آخرين يعملون في أجهزة الأمن والاستخبارات الاريترية للتجسس علي اليمن والسودان.
(3)
الاتصالات مع الجنوبيين بدأت من القنصلية 'الإسرائيلية' في أديس أبابا، وكانت الشركات 'الاسرائيلية' التي انشئت في اثيوبيا هي الواجهة التي استخدمت تلك الاتصالات، وكان اشير بن ناثان رجل الموساد النشط الذي اصبح يدير شركة 'انكودا' هو أول من قام بالاتصال مع الزعماء الجنوبيين، وبعد الدراسة لأوضاع الجنوب وقع الاختيار علي قبيلة الدينكا أقوي قبائل المنطقة لكي تكون الباب الذي تتسلل منه 'إسرائيل' إلي الجنوب وتتغلغل في شرايينه، أما الذي قام بالدور البارز في توسيع نطاق تلك الاتصالات وتوثيقها، فقد كان دافيد كيمحي رجل المهمات الخاصة في الموساد، الذي عين مديرا عاما لوزارة الخارجية 'الإسرائيلية'.
ولم تكن البعثة العسكرية 'الاسرائيلية' في أوغندا بعيدة عن هذه التحركات ولكنها كانت تقوم 'بواجبها' من موقع آخر، حيث تولي رئيسها العقيد باروخ بارسيفر ومعه بعض رجال الاستخبارات مد جسور الاتصال مع العناصر الجنوبية التي كانت تعمل في الجيش السوداني.
علي الجملة يمكن القول إن دعم 'إسرائيل' للحركة الانفصالية في الجنوب مر بخمس مراحل هي:
طوال عقد الخمسينيات ركزت 'إسرائيل' علي أمرين: أولهما تقديم المساعدات الإنسانية للجنوبيين (الأدوية والمواد الغذائية والأطباء) وثانيهما استثمار التباين القبلي بين الجنوبيين أنفسهم وتعميق هوة الصراع بين الجنوبيين والشماليين.
في الستينيات حدث ما يلي: بدأت صفقات الأسلحة 'الإسرائيلية' تتدفق علي جنوب السودان عبر الأراضي الأوغندية، وكانت أول صفقة عام 1962 ومعظمها من الأسلحة الروسية الخفيفة التي غنمتها 'إسرائيل' من مصر في عدوان عام 56 بالإضافة إلي الرشاش 'الإسرائيلي' عوزي.
اتسع نطاق تدريب الميليشيات الجنوبية في كل من أوغندا واثيوبيا وكينيا، وكانت اثيوبيا اكبر قاعدة لايصال الأسلحة والذخائر إلي جنوب السودان، كما اتسع نطاق تزويد الجنوبيين بالسلاح من الدول المجاورة، وحينما تولي أوري لوبراني مهندس عملية التطويق والاختراق منصب سفير 'إسرائيل' في أوغندا ثم في اثيوبيا تطور ذلك الدعم إلي حد أن بعض ضباط القوات 'الإسرائيلية' الخاصة كانوا ينتقلون لتدريب الانفصاليين في مناطق جنوب السودان.
المرحلة الثالثة التي تمتد من منتصف الستينيات حتي السبعينيات وفيها استمر تدفق الأسلحة من خلال وسيط 'إسرائيلي' اسمه 'جابي شفيق' كان يعمل لحساب الموساد، وبعض هذه الأسلحة كانت روسية استولت عليها 'إسرائيل' في حرب 1967، وقامت طائرات شحن باسقاطها علي المعسكر الرئيسي للانفصاليين في أورنج كي بول، كما قامت 'إسرائيل' بانشاء مدرسة لضباط المنشاة في 'ونجي كابول' لتخريج الكوادر العسكرية لقيادة فصائل التمرد، وكانت عناصر 'إسرائيلية' تشترك بالفعل في بعض المعارك مقدمة خبرتها للجنوبيين.
وإذ شهدت تلك الفترة تراجعا في الحركة الانفصالية (عام 69) فإن 'إسرائيل' استخدمت نفوذها لاستمرار التمرد وإثارة الجنوبيين عبر تصوير صراعهم بأنه مصيري،. بين شمال عربي مسلم محتل، وجنوب زنجي افريقي مسيحي.
المرحلة الرابعة تمتد من أواخر السبعينيات وطوال عقد الثمانينيات، وفيها جري استئناف دعم التمرد المسلح بزعامة العقيد جون قرنق ابتداء من عام 83 وكان الموقف قد هدأ نسبيا بعد اتفاق المصالحة الذي تم في عام 72 ومنح فيه الجنوب حكما ذاتيا، وفي تلك الفترة ظهر النفط في جنوب السودان مما عزز دعم الجهات الأجنبية للحركة الانفصالية وفيها ايضا ضاعفت اثيوبيا من دعمها للجنوبيين سواء بالسلاح أو عن طريق وضع محطة للاذاعة تحت تصرفهم، كما ألقت 'إسرائيل' بثقل قوي إلي جانب جيش جون قرنق، فزودته بأسلحة متقدمة ودربت عشرة من طياريه علي قيادة مقاتلات خفيفة للهجوم علي المراكز الحكومية في الجنوب ووفرت له صورا عن مواقع القوات الحكومية التقطتها اقمارها الصناعية، بل إن 'إسرائيل' أوفدت بعض خبرائها لوضع الخطط والقتال إلي جانب الانفصاليين وقد قتل منهم خمسة ضباط في معارك دارت في نهاية عام 1988 كان بينهم اثنان من ضباط الموساد وثبت أن الضباط 'الإسرائيليين' اشتركوا في العمليات التي أدت إلي احتلال بعض مدن لجنوب في عام 1990 وهذه المدن ثلاث هي:'مامبيو واندارا وطمبوه'.
المرحلة الخامسة: بدأت في أواخر عام 1990 واستمرت حتي الآن، وتعد مرحلة قطف الثمرة بعد نضجها، أو البتر بعد الشد إذا استخدمنا مفردات الدراسة، وفيها وصل الدعم 'الإسرائيلي' لجيش تحرير السودان وقائده جون قرنق ذروته، وأصبحت كينيا هي جسر الاتصال بين الطرفين، بدلا من اثيوبيا، وقد أغرقت خلالها 'إسرائيل' 'جيش التحرير' بالأموال والسلاح لتعزيز موقف الحركة التفاوضي مع حكومة الشمال، حتي اصبح ندا عنيدا لها بل وأقوي منها عسكريا، الأمر الذي أوصل الحركة إلي نقطة كانت مخيرة فيها بين الانفصال أو الذهاب إلي أبعد وفرض شروطها علي حكومة الخرطوم، وقد نجحت في تحقيق الخيار الثاني بحيث مدت نفوذها من جوبا عاصمة الجنوب إلي الخرطوم عاصمة البلد كله.
(4)
تستوقف المرء معلومات أخري مهمة أوردها موشي فرجي في كتابه من أهمها:
ان 'إسرائيل' راهنت علي جون قرنق بعدما عقد ضباط الموساد عدة اجتماعات معه لدراسة شخصيته وكانت السفارات الأمريكية في كينيا وأوغندا وزائير قد أوصت بتبنيه، فحصل علي منحة دراسية أمريكية مكنته من الحصول علي درجة الدكتوراة في الاقتصاد الزراعي وأهلته لتلقي دورات عسكرية هناك، وبعدها التحق بدورة عسكرية في كلية الأمن القومي ب'إسرائيل' التي زارها ثلاث مرات وظل علي علاقة وثيقة ومنتظمة مع سفراء 'إسرائيل' بالدول المجاورة وخصوصا كينيا.
ان 'إسرائيل' كانت تدفع مرتبات قادة وضباط جيش 'تحرير السودان' وقدرت مجلة 'معرخون' العسكرية أن مجموع ما قدمته 'إسرائيل' لجيش تحرير الجنوب 500 مليون دولار وقامت الولايات المتحدة بتغطية الجانب الاكبر منه.
ان 'إسرائيل' هي التي اقنعت الجنوبيين بتعطيل تنفيذ مشروع قناة 'جونجلي' الذي تضمن حفر قناة في منطقة أعالي النيل لنقل المياه إلي مجري جديد بين جونجلي وملكال لتخزين 5 ملايين متر مكعب من المياه سنويا، ويفترض أن يسهم المشروع في انعاش منطقة الشمال والاقتصاد المصري قالت 'إسرائيل' للجنوبيين انهم أولي بتلك المياه التي سينتفع بها غيرهم، ثم انها ادعت ان ثمة خطة لارسال ستة ملايين فلاح مصري إلي الجنوب (كما حدث في العراق) لتغيير تركيبته السكانية لمصلحة كفة العرب والمسلمين، انه بمجرد ظهور النفط في الجنوب أوفدت 'إسرائيل' في النصف الأول من الثمانينيات واحدا من اكبر خبرائها هو البروفيسور ايلياهو لونفسكي لدراسة احتمالاته، التي قدرها بسبعة مليارات برميل ونتيجة لذلك شرع الجنوبيون في المطالبة بحصتهم من هذه الثروة وعارضوا انشاء مصفاة للنفط في منطقة كوستي بإحدي الولايات الشمالية.
ان 'إسرائيل' في دعمها لجون قرنق وضعت تحت تصرفه في العام الماضي (2003) مجموعة من الضباط ذوي الأصل الأثيوبي الذين هاجروا إليها في الثمانينيات (يهود الفلاشا) وقد أورد المؤلف قائمة بأسماء بعضهم.
ان جون قرنق بعدما احكم سيطرته علي الجنوب استعد لإعلان الانفصال وإقامة دولته المستقلة، وأبلغ الولايات المتحدة و'إسرائيل' والدول المجاورة للسودان بذلك، بل انه طلب من واشنطن رسميا التدخل إلي جانبه إذا ما هاجمه جيش السودان من جراء ذلك وان وزارة الدفاع الأمريكية اصدرت تعليماتها إلي قواتها الموجودة في كينيا واريتريا بالاستعداد للتدخل في السودان إذا ما لزم الأمر.
بعد الاتفاق الاخير الذي احتفي به الجميع! اصبح جون قرنق نائبا لرئيس الجمهورية، وصارت حركته جزءا من النظام الحاكم في الخرطوم واقفة بالباب الجنوبي لمصر فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: كيف سيرد قرنق الجميل للذين صنعوه ودعموه وأوصلوه إلي ما وصل إليه حتي حقق ما هو أبعد مما تمناه أو كان يحلم؟ ويتفرع عن ذلك سؤالان مهمان هما: كيف سينعكس ذلك علي 'السودان الجديد'؟ ثم: ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للأمن القومي المصري؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق