الأحد، 17 يوليو 2011


خارطة التغيير على المسرح السياسي الشرق أوسطي
2011-07-17


بدأت حركة الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية في تونس زين العابدين بن علي ومصر حسني مبارك، أدى إلى الإطاحة بالرئيسين على الترتيب، ولاحقاً امتدت عدوى هذه الاحتجاجات إلى بلدان شرق أوسطية أخرى: اليمن ـ ليبيا ـ الأردن ـ البحرين ـ المغرب ـ سوريا ـ سلطنة عمان ـ الكويت ـ السعودية. ولكن ضمن سياقات جيو ـ سياسية جمعت بين الحقيقة والوهم، فما هو يا ترى الفرق بين الاثنين، وما هي الأيادي الخفية التي ظلت تتدخل من أجل استبدال جنين الثورة الحقيقية بجنين الثورة الوهمية المصنوعة؟
* المسرح السياسي الشرق أوسطي: كيف نقرأ خارطة التغيير
تشير المعطيات الجارية، إلى وجود قدر كبير من التباينات بين المحفزات والدوافع التي شكلت منابع حركة الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية، وعلى أساس الاعتبارات النوعية يمكن الإشارة إلى النوعين الرئيسيين على النحو الآتي:
    محفزات داخلية: تشمل إخفاق العديد من الحكومات الشرق أوسطية في معالجة القضايا الاقتصادية والسياسية بالشكل المطلوب الذي يلبي طموحات شعوبها.
    محفزات خارجية: تشمل قيام بعض الأطراف الخارجية الكبرى، بالسعي لجهة تحريك الوقائع والأحداث يتيح لها تصفية الحسابات مع خصومها وخصوم إسرائيل في المنطقة.
وتأسيساً على ذلك، نشير إلى أن المفاضلة بين الاحتجاجات الحقيقية الواقعية، والاحتجاجات الوهمية المصنوعة، يمكن أن يتم من خلال الإشارة إلى النماذج الآتية:
    النماذج الاحتجاجية الحقيقية: شهدتها تونس، ومصر، وتشهدها حالياً اليمن والبحرين.
    النماذج الاحتجاجية الوهمية: تعتبر حركة الاحتجاجات اللبنانية ـ التي عرفت بثورة الأرز والتي أعقبت اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
اتساع نطاق حركة الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية، أصبح ي أكثر من تفسير، وأكثر من صيغة نموذجية، وفي هذا الخصوص، فقد بدأت حالة الغموض واللايقين تزول، أدى إلى اتضاح معالم المشهد الشرق أوسطي، الذي أصبحت تتقاسمه العديد من القوى المتصارعة، إضافة إلى العديد من الفعاليات السياسية المتعاكسة.
* تحليل معطيات خارطة الاحتجاجات الشرق أوسطية
على أساس اعتبارات فعاليات عمل الضغوط، ومصادرها الرئيسية والثانوية، إضافة إلى اتجاهات عمل جهدها الرئيسي، يمكن تصنيف الاحتجاجات الشرق أوسطية على النحو الآتي:
    احتجاجات تلعب فيها العوامل الداخلية دوراً رئيسياً، كما في حالة اليمن والبحرين.
    احتجاجات تلعب فيها العوامل الخارجية دوراً رئيسياً، كما في حالة سوريا وليبيا.
وبكلمات أخرى، أكثر وضوحاً، يمكن تفسير معطيات هذا التصنيف على النحو الآتي:
    في اليمن والبحرين، تلعب عملية الانقسام الداخلي دوراً فاعلاً في إذكاء وقود الاحتجاجات، ففي اليمن توجد أغلبية شعبية هائلة لا ترغب في استمرار وجود نظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وفي البحرين توجد أغلبية سكانية هائلة لا ترغب في استمرار النظام الملكي المطلق الموجود حالياً.
    في ليبيا وسوريا، تلعب عملية التدخل الخارجي دوراً فاعلاً في إذكاء وقود الاحتجاجات، ففي ليبيا توجد معارضة محدودة في منطقة شمال شرق ليبيا، وتعمل القوى الخارجية الدولية (الولايات المتحدة ـ فرنسا ـ بريطانيا) إلى توظيف فعاليات هذه القوة المعارضة لجهة تقويض نظام الزعيم القذافي، وفي سوريا توجد حركة معارضة محدودوة النطاق ومتقطعة الفعاليات، وتعمل القوى الخارجية الدولية (الولايات المتحدة ـ فرنسا ـ بريطانيا، إضافة إلى إسرائيل) لجهة توظيف فعاليات هذه القوة المعارضة يؤدي إلى انهيار دمشق.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن معطيات التحليل السياسي المقارن، تشير بشكل واضح إلى الآتي:
    النموذج الاحتجاجي السياسي اليمني ـ البحريني: يرتبط أداء هذا النموذج، بأداء الاحتجاجات التي جرت في المملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، والمملكة المغربية، وقطر، إضافة إلى المملكة الأردنية، وهي احتجاجات عبرت عن مطالب مشروعة، من جهة، ولكنها من الجهة الأخرى، لم تجد الاستجابة بسبب وجود عاملين، الأول يتمثل في تعنت الأنظمة الحاكمة، والثاني يتمثل في الدعم الخارجي الأمريكي ـ الأوروبي الغربي الكبير لهذه الأنظمة، أتاح لها الغطاء اللازم لجهة قمع هذه الاحتجاجات بالقوة، أدى إلى تحويلها إلى احتجاجات متقطعة منخفضة الشدة.
    النموذج الليبي ـ السوري: يتميز هذا النموذج بالحضور القوي لفعاليات الدور الخارجي (الأمريكي ـ الفرنسي ـ البريطاني ـ الإسرائيلي)، أدى إلى اتسام هذا النموذج بالعديد من المحاور والخطوط المتماثلة، وفي هذا الخصوص نشير إلى التماثلات الآتية:
ـ وجود قوى داخلية معارضة صغيرة الحجم، لا تستطيع وحدها القضاء على شرعية النظام الحاكم، ولا حتى على إضعاف قدراته، ولكن هذه القوى تمارس تعنتا متزايدا، بسبب الدعم الخارجي اللامحدود الذي ظلت تحصل عليه من الأطراف الخارجية.
ـ وجود قوى خارجية تسعى بقوة إلى مساندة فعاليات قوى المعارضة الصغيرة الداخلية، يتيح توظيف واستثمار البنية الشرق الأوسطية المضطربة سياسياً، لجهة الحصول على نتائج في طرابلس ودمشق، تكون على غرار النتائج التي حصلت عليها قوى المعارضة السياسية التونسية والمصرية.
ـ يوجد حضور قوي لمعطيات نظرية المؤامرة الخارجية، ومن أبرز الدلالات على ذلك، تميز الأطراف الغربية الأوروبية والأمريكية، بالتعامل وفقاً لمستويين، هما المستوى المعلن، الذي يعبر عن نفسه من خلال إطلاق التصريحات الساعية لخلق الانطباع العام بأن أمريكا وبريطانيا وفرنسا راغبة في حماية حقوق السوريين والليبيين، وفي نفس الوقت، على المستوى غير المعلن، من خلال تحريض القوى المعارضة وتزويدها بالدعم يعزز قدراتها السلوكية.
هذا، وتبدو المفارقة واضحة من خلال النقاط السالبة والموجبة التي تميز بها الأداء السلوكي السياسي ـ المخابراتي ـ الدبلوماسي الأمريكي ـ الفرنسي ـ البريطاني، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الآتي:
    سعت واشنطن ـ باريس ـ لندن لجهة تدويل ملف الاحتجاجات الليبية، وبعد التحايل على موسكو وبكين، نجحت عملية التدويل، بحيث صدر قرار دولي بإدانة ليبيا، ثم قرار دولي بفرض منطقة حظر الطيران تم استخدامه كغطاء لاستهداف القدرات الليبية.
    سعت واشنطن ـ باريس ـ لندن، لجهة تدويل ملف الاحتجاجات السورية، ولكن، لم تنجح عملية التحايل على موسكو وبكين. الأمر الذي أدى إلى تقويض جهود تدويل ملف الاحتجاجات السورية.
لم تكتف أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، بفشل جهود تدويل ملف الاحتجاجات السورية عبر مجلس الأمن الدولي، ومن ثم فقد لجأت إلى توظيف معطيات اتفاقية حلف شمال الأطلسي (الناتو) كوسيلة للتدويل، وتحديداً عبر البوابة التركية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
    الدفع باتجاه إنفاذ عملية سرية في منطقة شمال سوريا المتاخمة للحدود التركية، يؤدي إلى توتير العلاقات السورية التركية، وهو الأمر الذي حدث على خلفية أحداث منطقة جسر الشغور.
    دفع تركيا لجهة القيام بعمل عسكري ضد منطقة شمال سوريا، يتيح الذريعة لتدخل حلف الناتو إلى جانب تركيا وفقاً لبنود معاهدة حلف شمال الأطلسي.
نجحت دمشق في إبطال فعاليات سيناريو تدويل ملف الاحتجاجات السياسية المحدودة، عن طريق إنفاذ المزيد من الإجراءات العلاجية والوقائية، أدى أولاً إلى احتواء فعاليات العملية السرية العسكرية التي استهدفت سكان المنطقة الشمالية، وثانياً، تصحيح سوء الفهم التركي الرسمي، أدى بالفعل إلى اقتناع أنقرا، وتفضيلها لخيار التراجع عن مخطط استهداف دمشق، وثالثاً، عن طريق تعزيز فرصة الانفتاح إزاء الآخر، عن طريق إطلاق فعاليات هيئة الحوار الوطني السوري، ودفعها لجهة مباشرة مهامها وفقاً "لمبدأ الإفصاح الكامل"، و"مبدأ الشفافية الكاملة".
على أساس معطيات الأداء السلوكي الخاص بـ(النموذج اليمني ـ البحريني) الاحتجاجي السياسي، يمكن التوقع بأن تستمر فعاليات عمل نوعين من القوى، الأولى هي قوة الزخم الداخلي بفعل طاقة العنف السياسي الموجودة داخل الشارع البحريني واليمني الساعية لإحداث التغيير، والثانية هي قوة التدخل الخارجي الأمريكي ـ الفرنسي ـ البريطاني، الساعية لكبت الزخم الاحتجاجي السياسي الشعبي، وبالنسبة لـ(النموذج الليبي ـ السوري)، فمن المتوقع أن تسعى أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، لجهة ضبط الصراع الدامي الليبي ـ الليبي، يؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض أركان الدولة الليبية بالكامل، وإفساح المجال أمام عملية تدخل دولي تحت الذرائع الإنسانية، على النحو الذي يضع ليبيا تحت الوصاية الدولية أو الانتداب الدولي والذي سوف تشرف عليه واشنطن وحلفاءها، لجهة القيام بإدارة إقليم الدولة الليبية على غرار إدارة إقليم أتشيه الأندونيسي التي انتهت بفصله عن أندونيسيا، أو إدارة إقليم كوسوفو التي انتهت بانفصاله وتفتيت دولة صربيا. وبالنسبة لسوريا، فمن المتوقع أن تؤدي الفعاليات العلاجية ـ الوقائية التي انتهجتها دمشق إلى إضعاف فعاليات الاحتجاجات المحدودة إضافة إلى تآكل طاقة زخمها خاصة وأنها ما زالت تمثل مجرد حركات احتجاجية محدودة الحجم ومعزولة ضمن سياق ديني ـ نفسي ـ طائفي معين. ولكن، بالمقابل، نلاحظ أن أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، سوف تسعى من أجل تزويد الفعاليات الاحتجاجية بالمزيد من عمليات الدعم الخارجي لجهة تجديد طاقتها، يضمن على الأقل استمرارها على أمل أن تلوح الفرصة من جديد. إذا نجحت عمليات الضغط على موسكو وبكين لجهة جعلهما تقبلان بتمرير أي قرار دولي جديد يستهدف دمشق.
ـ قسم الدراسات والترجمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق