يجب الحديث مع حماس
2011-07-16
اليكس فيشمان/ يديعوت
"ليس واضحا لنا ما الذي ينوي الفلسطينيون فعله حقا في ايلول. سمعنا تصريحات علنية كثيرة لكنني أعتقد أنهم ما زالوا يُقدرون خطواتهم. نتلقى من القيادة الفلسطينية رسائل تقول ان هدفهم الوحيد هو بلوغ حل الدولتين بتفاوض مباشر".
يُعرف المتحدث بأنه "موظف رفيع المستوى" في الادارة الامريكية، وهذا الاقتباس مأخوذ من توجيه، في مكالمة مؤتمر هاتفية، الى مجموعة من الصحفيين في واشنطن. الحديث عن واحد من مساعدي هيلاري كلينتون الكبار، ونشعر بأنه يريد أن ينقل أنه لا يوجد أي ضغط في الادارة حيال التهديد الفلسطيني بالتوجه الى الامم المتحدة. فكل شيء قابل لأن يُعكس.
وقت المكالمة: يوم الاثنين من هذا الاسبوع في التاسعة مساء بعد دقائق معدودة من خروجه من عشاء رؤساء الرباعية. كان يفترض أن ينتهي العشاء بتصريح علني واحتفالي يعيد الاسرائيليين والفلسطينيين الى مفاوضة مباشرة عرفوها في الصحف الاسرائيلية بأنها الفرصة الاخيرة لصد اجراء ايلول. لكن الامريكيين فشلوا فشلا ذريعا فانتهى اللقاء بلا لا شيء. لم ينجحوا في الحصول من نتنياهو على التزام أن يقبل صيغة الرباعية، تلك الصيغة التي كانت ستُنزل الفلسطينيين كما يبدو عن الشجرة. لم يعد اوباما ينوي مناوءة نتنياهو حتى 2012 التي هي سنة الانتخابات في الولايات المتحدة.
نشأ قبل شهر شعور في الادارة فجأة بأنه حدث تغيير في اسرائيل وأن نتنياهو مستعد للحديث عن حدود 1967 – لا باعتبارها خط انسحاب بل أساسا للتباحث في الحدود الدائمة. تأثر الامريكيون بالنغمة الجديدة. خُيل إليهم لحظة أنه حدث صدع في الموقف الاسرائيلي. بل انهم أرسلوا الى هنا دنيس روس الذي سمع من باراك أنه يُجري مع نتنياهو محادثات طويلة ويحاول أن يقنعه بالخروج بمبادرة.
جاء ايضا المبعوث الدائم للمحادثات، ديفيد هيلي، ودُعي الى هنا ايضا مساعده في شؤون سوريا ولبنان، بيرد هوف. وفي موازاة ذلك دُعي المندوب الفلسطيني صائب عريقات الى واشنطن ليعرض عليه آخر ما جد في موقف بيبي.
في مطلع تموز فقط أدركوا في واشنطن أنه وقع سوء فهم، فدُفن عمل عدة اسابيع، واجتمعت خيبة أمل اخرى.
آنذاك جاءت مبادرة الرباعية، لكنها خيبت الآمال ايضا فجاء صمت ضاجّ بدل اعلان احتفالي. إن المسؤول الامريكي الكبير الذي تحدث فعل ما طُلب اليه، فقد نجح خلال عشرين دقيقة في ألا يقول شيئا وفي ألا يُبين كيف أفشلنا نحن (اوباما وكلينتون وشركاؤهما) الامر.
مع ذلك صدر استنتاج واحد ايجابي عن الرباعية وهو أنه لا يوجد موعد "عدم عودة" فلسطيني. لم يكن الحادي عشر من تموز هذا الموعد. وسيسحب الفلسطينيون طلبهم بعقد الجمعية العامة للامم المتحدة في اللحظة الاخيرة ايضا. مع ذلك كما قال الموظف الكبير، كلما اقتربنا من ايلول سيصبح الثمن الذي يطلبونه أعلى لأن عارهم لانطوائهم سيكون أكبر.
واليوم أصبح الفلسطينيون يُجرون مع الامريكيين اتصالات تتعلق بصيغة جديدة. تثار هناك في الأساس أفكار بالاسلوب المعروف: حدود 1967 باعتبارها أساس التفاوض، وأن تحرر اسرائيل بضع مئات من السجناء تفضلا على الضفة، وأن تتبرع الدول المانحة وما أشبه. والفكرة المفاجئة الوحيدة التي ثارت هي أن تدخل اسرائيل مسيرة دبلوماسية سرية مع حماس، برعاية الادارة، من اجل هدنة طويلة.
نشر في المدة الاخيرة صدفة أو بغيرها في معهد جليل الشأن في الولايات المتحدة بحث يتناول حلولا ممكنة بين اسرائيل وغزة. وأشد من هذا مفاجأة أن أحد كُتاب البحث هو ج. الذي كان سنين طويلة قائد المنطقة الجنوبية في "الشباك" وعرض ترشحه ليحل محل الرئيس السابق يوفال ديسكين. كتبه مع استاذ جامعي امريكي بعيد الصيت في مجال الدراسات الامنية.
قبل أقل من نصف سنة دُعي ج. الى ديوان رئيس الحكومة، لمحادثة في الاستمرار في خدمته وترشحه لرئاسة المنظمة. لم يكن ج. مرشح ديسكين. فقد رأى أن ج. أنهى خدمته قبل سنتين عندما انقضت مدة ولايته كرئيس للمنطقة الجنوبية. وبرغم ذلك دعاه نتنياهو الى لقاء ولم يكن ذلك صدفة. ترأس ج. أكثر من اربع سنين جهاز جمع المعلومات الاستخبارية في "الشباك" في القطاع الذي هو في الحقيقة جهاز التجميع المركزي الذي يعمل في أحشاء حماس.
لحرب الأدمغة هذه مع غزة وجه الى هنا وآخر لهناك. فقد فشلت من جهة في انشاء معلومات استخبارية لاطلاق سراح جلعاد شليط وجمعت من الجهة الاخرى طائفة من النجاحات جعلت حماس منظمة شفافة قُبيل عملية "الرصاص المصبوب".
عندما أنهى ج. عمله في الجنوب "لم يوجد عمل يناسبه". انتظر خارج المنظمة في الدراسة، وعندما تبين أنه لن يرث ديسكين ولن يحظى ايضا بمنصب نائب يورام كوهين، عزم على المضي الى بيته، وهو اليوم في اجراءات ترك العمل الاخيرة.
قضى ج. واحدا من فصول الانتظار باحثا ضيفا في مركز "سبان" لابحاث الشرق الاوسط في واشنطن، وكتب البحث الذي نشره معهد "بروكنغز" بالتعاون مع البروفيسور دانيال بايمان، مدير البحث في مركز "سبان" ومحاضر في برنامج الدراسات الامنية في جامعة جورج تاون.
إن استنتاج الباحثين الواضح أنه لن يوجد أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية بلا تسوية – تُحرز بطرق عنيفة أو بطرق سياسية – مع حماس في غزة. وكل محاولة لتأخير النهاية أو تجاهل الحاجة الى حل مع حماس تُعرض مصالح اسرائيل والولايات المتحدة للخطر.
يعرض الاثنان ويحللان ثمانية نماذج ممكنة لتسوية بين اسرائيل وحماس. وليس واحد منها مثاليا، وهناك امكانية التأليف بين عدة نماذج ايضا، لكن يجب النظر في الصورة نظرا واعيا، يكتبان.
1- هدنة.
تبدأ اسرائيل بضمان ومساعدة امريكيين محادثات رسمية مع حماس للتوصل الى هدنة دائمة. تمنح هذه الهدنة حماس الشرعية وتزيل عنها الضغط الاسرائيلي وتهب لها فرصة أن تُبين للعالم أن عندها قدرة على الحكم. ومن جهة اسرائيل، ستُمكّن الهدنة الدائمة من وجود حياة سليمة على طول الحدود وتزيل الانتقاد الدولي عن سلوكها إزاء القطاع.
يقول الباحثان إن أخطار هذا النموذج لا يستهان بها. فحماس قد تستغل الهدنة لتعزيز قدراتها العسكرية. وسيصعب على اسرائيل في المقابل أن تعرض فرقا كبيرا بين ما يحدث في غزة وبين انجازات السلطة في الضفة الغربية. وستشوش الهدنة ايضا على صوغ تصور دولتين للشعبين لأنها ستؤكد هوية غزة الذاتية وتفضي الى فصلها عن الضفة.
يرى قادة حماس أن اتفاقا ما مع اسرائيل هو مصالحة تعرضهم في موقف ضعف إزاء خصومهم – في جبهة الرفض وداخل المنظمة. فهي في الحقيقة ستعزز جانب المعتدلين لكنها ستضر بشيفرة حماس الجينية وتضائل الاستثمارات الايرانية في المنظمة.
لا يرتب الباحثان في الحقيقة الخيارات في سلم أفضليات، لكن جعل التفاوض المباشر مع حماس هو الاول في القائمة ليس صدفة كما يبدو. كذلك التعليلات المضادة للهدنة في الجانبين هي في الأساس تعليلات زائفة بحيث يمكن أن نفترض أن هذا هو الحل المراد في نظر ج. وبايمان.
2- احتلال القطاع من جديد
الحديث في واقع الامر عن عكس النموذج الاول: عن استيلاء على جزء من القطاع أو كله، يُمكّن الجيش الاسرائيلي من وقف القذائف الصاروخية قبل أن تطلق، ومن وقف وقتل نشطاء عسكريين وهدم البنية التحتية العسكرية لحماس والمنظمات الاخرى.
يقول الباحثان سلفا ان احتلالا من جديد سيكلف اسرائيل ثمنا باهظا، ولا سيما من القتلى والجرحى. ستطول الحرب كثيرا وستستعمل حماس رجالها في الضفة ايضا مع محاولة إسقاط أبو مازن. في وضع كهذا لن يكون للسلطة أي امكانية لاجراء تفاوض وسيحل باسرائيل ضرر سياسي في صعيد علاقاتها مع الولايات المتحدة والجماعة الدولية.
3- ضربة عسكرية محدودة. يرمي هذا البديل الى تدمير قدرة حماس الصاروخية واصابة القادة والنشطاء العسكريين، لكنه في زعم الباحثين لن يُسهم بشيء لان حماس قادرة على تحسين قدراتها تحت الهجمات الاسرائيلية ايضا.
والى ذلك سيوجب الهجوم على حماس أن ترد باطلاق النار من اجل البقاء السياسي. وستتهم اسرائيل في المقابل باصابة مدنيين وتتضرر من جهة صورتها وضررا سياسيا.
4- عزل القطاع. هذا في الحقيقة هو الوضع الراهن تقريبا، مع نموذج ضربات عسكرية محدودة، فالحصار الجزئي الذي تفرضه اسرائيل على القطاع في الجو والبحر والقيود على المعابر البرية تخفض قدرة حماس العسكرية ولا تُمكّن الاقتصاد في غزة من النمو وتضر بشعبية حماس في الشارع الغزي.
ومن جهة ثانية، كما يرى الباحثان، توجد للحصار ايضا جوانب سلبية من جهة اسرائيل: فهو يعزز مكانة حماس إزاء خصومها في المجتمع الفلسطيني، ويزيد من تعلق المنظمة بطهران، ويتهمون نتنياهو في القطاع لا اسماعيل هنية بوضعهم الاقتصادي البائس. والى ذلك يزيد الحصار النقد الدولي على اسرائيل في الشأن الانساني.
يقول الباحثان إن الاصرار على سياسة العزل يصبح أكثر تعقيدا بالنسبة لاسرائيل في ضوء تغير النظام في مصر. فلم يعد الضغط الذي استعمله نظام مبارك على غزة مقبولا اليوم في الشارع المصري. والى ذلك ستقوى الصلة بين حماس والاخوان المسلمين وتضر بالحصار.
5- ثلاث دول لشعبين. من هنا فصاعدا يعرض الباحثان اربعة "نماذج خارج الصندوق". أي أنها أفكار غير تقليدية في التفكير المأخوذ به اليوم في مراكز اتخاذ القرارات في واشنطن والقدس وبروكسل وموسكو ورام الله.
فهناك على سبيل المثال ثلاث دول لشعبين. تجري اسرائيل تفاوضا مع حماس ومع أبو مازن في انشاء فعلي لدولتين فلسطينيتين في حين أن مزايا هذا الحل ونقائصه تشبه ما لهدنة طويلة.
غير أن هذا الحل غير ممكن تقريبا في الظروف الحالية: فحماس وأبو مازن لن يبدآ تفاوضا خشية أن يتم اتهامهما باهمال فكرة فلسطين الموحدة. والتجربة الاخيرة لتوحيد الصفوف تكاد تقضي تماما على احتمال تنفيذ هذا النموذج.
6- الاستبدال بحماس. تستطيع اسرائيل بمساعدة امريكية أن تبذل جهدا وأن تفضي الى انهاء حكم حماس باجراء عسكري، لكنه لن يكون لقيادة فلسطينية تتولى الحكم "فوق حراب" اسرائيلية شرعية على الارض وسيعيد اجراء ديمقراطي بالانتخابات حماس الى السلطة.
حتى ذلك الحين سيكون هذا النظام عسكريا مستبدا مخالفا للاجراءات التي تحدث في المحيط، وليس له أي احتمال أن يبقى. ستكون تلك دعوة الى الاضطراب وستزداد العمليات المضادة لاسرائيل حدة.
7- مسؤولية دولية. الفكرة هي أن تتولى الامم المتحدة أو حلف شمال الاطلسي مسؤولية ادارية عن غزة، لكن الباحثين يقولان فورا إن حماس وجماعات اخرى ستعارض قوة من هذا القبيل، وتعمل في مواجهتها بنفس الوسائل التي عملت بها في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. وستهاجم في المقابل اسرائيل لا من اجل أن تبرهن على الجهد الوطني المعادي للمحتل بل كي تورط اسرائيل مع الجهات الدولية.
ستكون قوة من الامم المتحدة مريبة في نظر اسرائيل إلا اذا شُكلت في الأساس من جنود امريكيين وكانت تحت قيادة امريكية وستكون أقل فاعلية ايضا من قوة حلف شمال الاطلسي. لكن في فترة يريد فيها الاوروبيون مضاءلة تدخلهم في مراكز صراع مثل العراق وافغانستان وليبيا، وفي الوضع الاقتصادي والسياسي الحالي في القارة الاوروبية، ليس من المحتمل أن يكون لأحد هناك اهتمام بهذه الفكرة. وواشنطن من جهتها ستخشى أن تعرض للخطر جنودا في مكان مشحون سياسيا كهذا ولا سيما بعد أن تم اتخاذ قرار واضح، في الولايات المتحدة واوروبا ايضا، على عدم التدخل في صراعات الحركات الشعبية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا (إلا اذا كان الحديث عن ظروف خاصة كما في ليبيا).
8- الرزمة الاقتصادية. تغرق الجماعة الدولية غزة بمساعدة اقتصادية تجبر حماس على أن تدرك ماذا ستخسر اذا استمرت في العمل المضاد لاسرائيل. لكنه يصعب اليوم تجنيد كمية موارد كبيرة لغزة. يحجم القطاع الخاص عن الاستثمار هناك، والدول العربية لا تفي أصلا بالتزاماتها المالية للقطاع، والازمة الاقتصادية العالمية لا تساعد ايضا.
والى ذلك أثبتت العلاقة بين النمو الاقتصادي والسياسة المعتدلة نفسها.
التجاهل ليس خيارا
يقول البحث ملخصا: جميع الخيارات التي عرضت اشكالية، وبرغم انه لا تبدو واحدة منها واعدة فانه لا توجد خيارات اخرى. إن مسيرة السلام وأمن اسرائيل واستقرار المنطقة ايضا متعلقة بعلاج التهديدات من قبل نظام حماس. فتجاهل القطاع ليس خيارا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق