السبت، 19 مارس 2011

أثر العامل الإسرائيلي على الثّورة الليبية


أثر العامل الإسرائيلي على الثّورة الليبية
[ 17/03/2011 - 09:12 ص ]
صلاح حميدة
لفت الأسلوب الاسرائيلي في إدارة المعارك، الذي تستخدمه مليشيات عائلة القذّافي ضدّ الشعب الليبي، لفت أنظار المحللين العسكرين في العالم. فقد انتقل الأداء الحربي لمليشيات القذّافي ليكون صورة طبق الأصل عن الأداء الإسرائيلي ضد الشّعبين الفلسطيني واللبناني، والّذي يتلخّص باعتماد سياسة الكثافة النيرانية ضد المدنيين والمناطق العمرانية، ومحاولات الالتفاف عن المدن بالاضافة لسياسة الأرض المحروقة.
هذا التّقليد من قبل  مليشيات عائلة القذّافي للأداء العسكري الإسرائيلي تجاه العرب له أبعاد موغلة في القدم، وأخرى طفت على السّطح في الفترة الأخيرة في ليبيا والإقليم والعالم، فكلام نجل القّافي (طز على العرب وعلى جامعتهم) لم يكن ناتجاً عن حالة عاطفية عابرة نتيجة لتأييد بعض الدّول العربية للحظر الجوي على الطّيران الليبي فقط، ولا بسبب أداء بعض القنوات الفضائية العربية أيضاً، ولكن يوجد جذور ومكوّنات أخرى لهذا الكلام ولهذا الأداء الرّخيص.
يضاف إلى هذا كلام القذافي بأنّ وزيرة الخارجية الأمريكية قالت له أنّ موقف بلادها كان متعجّلاً في البداية لأنّه كان مبنياً على تقارير إعلامية، وما ترافق مع هذا التّصريح الأمريكي من مماطلة واضحة من قبل أكثر من طرف إقليمي ودولي لمنع أي مساعدة للثورة الليبية، التي أجبرها القذّافي على حمل السّلاح.
فما الّذي جعل كل هذه الأطراف تعاود النّظر عن مواقف سابقة لها كفرنسا، ودول أخرى تعرض نفسها على أنها حامية الحمى للدّيمقراطية والحرية، أدارت ظهرها لليبيين وتركتهم نهشاً لقذائف القذّافي؟!.
لا بدّ من البدء بأوّل ما قام به القذّافي بعد انقلابه، فقد قام بهدم ضريح أبو الثّورة الليبية ورمزها ( عمر المختار) وقام بنقل رفاته إلى منطقة بعيدة عن بنغازي، وحرص على طمس هذا التّاريخ الرّائع للثّائر المقاتل الذي أذاق الاستعمار الايطالي ويلات العذاب لعشرات السّنوات، فالمنطق يقول أنّ الّذي يدّعي أنّه ثائر سيكرّم الثّوار لا أن يهدم قبورهم وينبشها، وينفي رفاتهم، كما أنّ القذّافي يقوم بنفس الشّيء مع أحفاد المختار عبر نبش قبور شهداء ثورتهم، ونقل رفاتهم إلى جهات غير معروفة، مثلما حدث في طرابلس والزّاوية وغيرهما، وهي سياسة مماثلة لما قامت به العصابات الصّهيونية في مجازرها في دير ياسين والحروب العربية – الاسرائيلية، حيث لا زالت أماكن دفن آلاف الشّهداء غير معروفة.
من الواضح أنّ العامل الاسرائيلي كان له أبعد الأثر في هذا الموضوع، فالتلفزيون الإسرائيلي كشف فجأةً أنّ معمر القذّافي ليس إلا يهوديا ابن يهودية، بل جلب خالته وابنة خالته للأستوديو، وذكّر العالم أنّ الشّعب الليبي ثائر على يهودي يحكمه منذ أربعين سنة، بل أبدى الكثير من الإسرائيليين تعاطفهم مع اليهودي الوحيد بين الحكام العرب، فهو فوق كونه يهودياً، فنجله متزوّج من عميلة موساد سابقة، وكانت تذهب الى مالطا ومن هناك تذهب لزوجها سيف في ليبيا، وهذا يدلل أنّ الولد أحب أخواله لدرجة أنّه لم يطق أن يبتعد عنهم فقام بمصاهرتهم، بل سار في الطّريق التي ربّما كان يسلكها والده لزيارة أهله وأخواله في تل أبيب. وبهذا تعلن إسرائيل على الملأ نجاحها في غرس يهودي على رأس نظام سياسي عربي لأربعة عقود، بعد أن فشلت في غرس إيلي كوهين على رأس الهرم السياسي في سوريا في نفس الفترة تقريباً.
كنت أتساءل دائماً عن السّر الكامن وراء دعوة القذّافي للسيد موسى الصّدر لزيارة ليبيا، ومن ثمّ قتله وإخفاء جثّته؟ فما المصلحة التي من الممكن أن يجنيها القذّافي من وراء ذلك؟ فهو الثّائر العالمي ومحتضن الثّوار كما كان يقول وقتها؟ ولكن عندما قرأت سيرة (الصّدر) ودوره في تحويل بوصلة الصّراع اللبناني – اللبناني والفلسطيني – اللبناني تجاه مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للبنان، أدركت أنّ قتله كان مصلحة إسرائيلية كان من الممكن تنفيذها على يدي هذا الرّجل. ولا بدّ أنّ إعلان حركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية عن اتهامها للقذّافي بأنّه قام  بتسهيل اغتيال أمينها العام بعد مغادرته ليبيا إلى مالطة، يستحق النّظر إليه بجدية.
أمّا دور القذّافي في تحويل الحج من مكة إلى القدس، فكان من أغرب ما كان يمكن أن يصدر عن زعيم (عربي) و ( ثوري) ويفترض أنّه مسلم، يرفع راية العداء للدولة العبرية! فالقذّافي وجّه الحجاج الليبيين من الحج إلى مكة إلى الحج إلى القدس، ففي الاسلام لا حج إلا لمكة، ولا يمكن أن يستعاض عن الحج لمكة بالحج إلى القدس، أمّا بالنّسبة لليهود فهم يحجّون إلى القدس، فهل هذا ما كان يقصده القذّافي من ذلك؟.
من المعروف أن نجل القذّافي سيف كان على علاقات وثيقة بأطراف إسرائيلية كثيرة – فوق مصاهرته لهم- وعندما ألقي القبض على عميل الموساد في ليبيا قام نجله بالإفراج عنه تحت لافتة عملية تبادل أسرى لم تتم، وكانت هذه خدعة لتبرير إطلاق عميل الموساد، وطويت صفخة خبر إعلان سيف عن عملية التبادل.
في الأزمة الليبية الحالية، وعندما أحسّ القذّافي الأب أنّ أوراقه أحرقت، وعندما أحسّ أنّ الاعلان عن جذوره اليهودية ومصاهرة ولده لأخوال أبيه لم تجد نفعاً في التّدخل الغربي لصالحه، قرّر أن يكشف عن أوراقه علانيةً، فلم يعد هناك حاجة للحديث بطرق ملتوية، فأعلن أنّه عامل الاستقرار الرّئيسي للدّولة العبرية في مقابلته مع التلفزيون التّركي، وبهذا أكمل المشهد الذي أظهره التّلفاز الإسرائيلي، بل سافر نجله إلى أصهاره في تل أبيب، وطلب منهم المساعدة في كل شيء، من المشورة الحربية والاستخبارية والقمعية، وحتى بتجنيد المرتزقة من الدّول الإفريقية، الّذين يصطفّون بطوابير أمام سفار إسرائيل في السّنغال لتذهب بهم للحرب في ليبيا. فهو هنا لا يرغب بالتّقاعد في تل أبيب بعد خدمة الدولة العبرية لأكثر من أربعة عقود، بل يريد استمرار حكم الدّولة العبرية لليبيا عبر نجله، ويعتبر أنّ هناك فرصة مواتية لذلك، بالرّغم من نار الثّورة الشّعبية الليبية.
رفض وزير الدّفاع الإسرائيلي إيهود باراك التّعليق على المعلومات التي نقلت عن وجود دور إسرائيلي قوي في دعم ركيزة أمن إسرائيل في قلب المغرب العربي، ولكن الشّعب الليبي يلمس تلك البصمات على أشلاء ضحاياه الممزّقة والمحروقة، وفوق ركام المباني والمصانع المدمّرة.
من الواضح أنّ إسرائيل تخوض حربها على أرض ليبيا تحت الشّمس، بعد أن حكمت ليبيا لأكثر من أربعة عقود عبر هذه العائلة المتخفّية بثوب الثّورة والثّوار، وهذا يفسّر التّراجع الكبير والواضح للعالم الغربي أمام الجرائم الاسرائيلية- القذّافية ضد الشّعب الليبي. ولكن هل يلتفت العرب إلى معركة الشّعب الليبي التي يخوضونها  وحيدين؟ وهل سيتقدّم كل من له ثأر مع كوهين القذّافي لمساعدة الشّعب الليبي؟ فأين هي الدّول و الأحزاب والحركات السّياسية والشّعبية   العربية؟ وأين هي الحركات العربية المقاومة؟ وأين هم من ينعتون كوهين القذّافي بالطّاغية لقتله موسى الصّدر؟ ولماذا لا يدعمون الشّعب الليبي بالسّلاح المضاد للدبابات والطّائرت والزّوارق البحرية الّذي لديهم؟ وأين هي السّودان التي أدخل القذّافي الموساد إلى إقليم دارفور ليفصلها عنها؟ وهل نسي السّودان موقفه المساعد لانقسام الجنوب؟ وأين هي مصر والشّعب المصري؟ وأين هي تونس والشّعب التّونسي؟.
الشّعب الليبي يخوض معركة الأمة ضد إسرائيل وكوهين القذّافي على أرض ليبيا، فأين هم العرب؟.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق