الأحد، 19 يونيو 2011


صراع جيوبولتك أم صراع وجود؟!
[ 19/06/2011 - 03:53 ص ]
راكان المجالي
ما لا يدركه الصهاينة هو أن مشروعهم الاستعماري لغزو المنطقة كان مكشوفاً للعرب والمسلمين في هذا الجزء من العالم وبالوعي أدركوا أن السرطان الصهيوني لا يهدد جزءاً من هذا الوطن العربي هو فلسطين بل يهدد الأمة كلها، وبالإحساس أيقنوا أن إخضاع فلسطين وسلب أرضها ظل صادماً للمشاعر الوطنية والقومية والإنسانية لأهل المنطقة!
من هنا فإن ما يؤكده الخطاب الإعلامي والسياسي للعرب حالياً ينصب على حقيقة هي أن "إسرائيل" لا تريد السلام وأن وجودها العنصري وكينونتها العدائية تتركب من خصائص معادية للسلام.
وهنالك خديعة تم تسويقها من خلال استغلال اتفاقيات السلام التي وقعتها "إسرائيل" مع بلدان عربية وكذلك المفاوضات مع كل الأطراف العربية في واشنطن استكمالاً لمؤتمر مدريد 1991 وما أرادته "إسرائيل" حقاً هو مسالمة العرب وعزلهم عن القضية الفلسطينية لفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني هذا الاستسلام الذي تكرس في إطار اتفاقية أوسلو في العام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل".
ومنذ كامب ديفيد المصري في العام 1979 ونحن نؤكد أن "إسرائيل" تريد تصفية القضية لا تسويتها وتريد فرض الاستسلام لا تحقيق السلام ومرحلياً هي غير طامعة بأي أرض عربية لكنها متمسكة باغتصاب كل بشر من فلسطين وكل ما يجري من مفاوضات واتصالات هو للتضليل!!
بعد زيارة السادات للقدس وكامب ديفيد عقدت في القاهرة مفاوضات "ميناهاوس" ودعت مصر البلدان المعنية لبنان وسوريا والأردن بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية لحضور مؤتمر لحل القضية الفلسطينية ويومها بقيت المقاعد العربية ما عدا مصر خالية وطرح رئيس الوفد الإسرائيلي الياهو بن اليسار تصوره للحل من خلال إحضاره خرائط للعالم وقال يومها إن خرائط العالم قد تغيرت عدة مرات وبفعل الحروب جرت التغييرات واستشهد بن اليسار بخريطة أوروبا قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ومن المؤسف أن هذا الكلام يردده بعض العرب باسم الواقعية السياسية دون الالتفات إلى أن ذلك تضليل وتحايل فبالتأكيد فإننا نقر بأن خرائط العالم تتغير لكن ضمن إطارها الإقليمي فخريطة الشرق الأوسط تغيرت حدودها وفق التطورات وموازين القوى بين القوميات الكبرى الرئيسية الثلاث في المنطقة في إطار واحد هو الإطار الإسلامي وضمن تغيرات جيوبولتكية فالعرب والترك والفرس هم أهل المنطقة والذين يشكلون هوية مشتركة حضارية موحدة هي الحضارة الإسلامية وهكذا فإنه ابتداء من الإمبراطورية العربية الإسلامية وصولاً إلى الإمبراطورية العثمانية التركية جرى تغيير خرائط في المنطقة.
وفي تفاصيل المشهد الجغرافي السياسي "جيوبولتك" الحالي فإن عربستان هي أكبر مساحة من فلسطين وتحوي غالبية ثروة إيران النفطية وكذلك اسكندرونة التي توازي ساحل فلسطين!!
ما يهمنا التذكير به أن لهذه المنطقة هوية حضارية وكل تغيير الخرائط في إطار هذه الهوية رغم ما تحمله من مرارات لنا العرب حالياً إلا أنه لا يشكل تهديداً لوجودنا كما هو حال السرطان الصهيوني الذي يستهدف أمتنا وشطب الهوية الحضارية وهو غزو خارجي استعماري عنصري لا مستقبل له في منطقة كمنطقتنا وهذا ليس رأيي إنما رأي كثير من المؤرخين والمفكرين وعلماء التاريخ وفي مقدمتهم "أرنولد توينبي" الذي يقول إنه درس بعمق تاريخ هذه المنطقة وبتجرد وموضوعية علمية يؤكد أن كل الغزوات الإمبراطورية وغيرها التي استهدفت هذه المنطقة كانت نهايتها الاندحار فكل الإمبراطوريات قبل الإسلام حاولت وضع يدها على هذه المنطقة بما في ذلك اليونان والرومان لكنها فشلت في النهاية أما بعد الإسلام فأصبح الإسلام مكوناً أساسياً إضافياً من مكونات هوية هذه المنطقة التي لفظت الصليبيين والتتار والمغول وبالتالي ينتظر اليهود نفس المصير!!
rakanm@yahoo.com
صحيفة الدستور الأردني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق