(اللاجئون) اليهود!
بقلم:
صالح النعامي - 2012-09-03 16:47:12
تعكف
الحكومة الإسرائيلية حالياً على حملة واسعة تهدف إلى حشد الدعم الدولي لنزع الشرعية
عن حق اللاجئين الفلسطينيين في المطالبة بإعادتهم إلى الأراضي التي شردوا منها، وتعويضهم
عن الخسائر التي لحقت بهم جراء عمليات الطرد التي نفذتها العصابات الصهيونية قبيل وبعيد
الإعلان عن الكيان الصهيوني.
الفكرة
التي يقوم عليها التحرك الصهيوني الجديد قديمة وتتمثل في تقديم اليهود الشرقيين الذين
غادروا الدول العربية بعد الإعلان عن الكيان الصهيوني على أنهم «لاجئون» تعرضوا لـ"الطرد
وصودرت ممتلكاتهم"، مما يستوجب على المجتمع الدولي تأييد موقف إسرائيل المطالب
بتعويض هؤلاء «اللاجئين». وكما كان الأمر في المرات السابقة، فإن الذي يقوم على هذه
التحرك هو حزب «إسرائيل بيتنا» العنصري، الذي يتزعمه وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان،
من خلال الوزارات التي يسيطر عليها في الحكومة، وهو ما جعل إسرائيل بأسرها تقف خلفه،
مع العلم أن الذي بلور هذه الفكرة هو داني أيالون، نائب وزير الخارجية الصهيوني، وسفير
إسرائيل الأسبق في واشنطن. وآخر ما تفتقت عنه أذهان هؤلاء العنصريين هو إطلاق «أنا
لاجئ يهودي» على الحملة الأخيرة. وتتضمن الحملة تكليف ثلاث مؤسسات إسرائيلية بالتعاون
لتوثيق وإحصاء أملاك اليهود الذين عاشوا في العالم العربي، ثم هاجروا إلى إسرائيل،
وهي وزارة الخارجية، ووزارة شؤون المتقاعدين، بالتعاون مع المؤتمر اليهودي العالمي،
وقد جرى توثيق عشرين ألف حالة من المهاجرين اليهود حتى الآن. وفي الوقت ذاته تتولى
المؤسسات الثلاثة تنظيم مؤتمرات صحفية وندوات دولية ابتداءً من شهر سبتمبر الحالي،
بمناسبة انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة. ومن أجل حبك المسرحية، فقد تقرر أن
يقوم الكنيست بإصدار لوائح وتشريعات تُلزم المفاوض الإسرائيلي، بأن يطرح في المفاوضات
النهائية قضية «اللاجئين» اليهود من الوطن العربي كشرط لإتمام أي مشروع سلام، أو توقيع
أية اتفاقية، تعزيزا للقانون الذي أصدره الكنيست عام 2010 الذي ينص على ربط كل اتفاق
نهائي بحل مشكلة أملاك اللاجئين اليهود وحقوقهم كلاجئين. وإن كان هذا لا يكفي، فإن
التحرك الجديد يهدف إلى إحراج ما يعرف بمعسكر «الاعتدال» في العالم العربي، حيث أنه
يطالب بربط قضية «اللاجئين» اليهود بمبادرة السلام العربية التي أعلنها العاهل السعودي
الملك عبدالله عام 2002، التي نصتْ على إنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967، وعودة اللاجئين،
كشروط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، مما يعني تسوية حقوق المهاجرين اليهود ضمن بند التطبيع.
جملة
أكاذيب
تقوم الحملة الصهيونية على جملة من الأكاذيب والافتراءات
التي أقل ما يمكن أن يقال بشأنها أنها لا تعكس احتراماً لوعي من تستهدفهم على الإطلاق.
وضمن هذه الأكاذيب التي تشكل الأسس العامة للتحرك الصهيوني الجديد، الزعم بأن عدد
«اللاجئين» اليهود يفوق عدد اللاجئين الفلسطينيين، وأن ما تكبدوه من خسائر يفوق
100 مليار دولار. ليس هذا فحسب، بل إن ماكينة الدعاية الصهيونية تزعم أن الأراضي التي
كانت بحوزة «اللاجئين» اليهود تفوق مساحة فلسطين ذاتها! وقد أشرفت على فبركة هذه المعطيات
منظمة يهودية أمريكية تعنى بشأن اليهود الذين هاجرون من الدول العربية، وتطلق على نفسها
JJAC ومؤخراً أعلنت هذه المنظمة أنها تسعى إلى تأسيس صندوق
لتمويل حماية المقابر، وإعادة تأهيل الكنس اليهودية وإعادة كتب التوراة الموجودة في
بعض الدول العربية، بالإضافة على توفير منح دراسية لدارسة الوجود اليهودي في الدول
العربية.
دحض
الافتراءات الصهيونية
وعلى الرغم من أن هذه الافتراءات الصهيونية مستفزة
في تبجحها، إلا أنها في الوقت ذاته غبية وسطحية لأن الوثائق الرسمية الصهيونية ذاتها
تؤكد أنه لم تكن هناك مشكلة لاجئين يهود. فالوثائق الصهيونية تؤكد أن رئيس الوزراء
الإسرائيلي الأول ديفيد بن جوريون هو الذي قرر جلب يهود الدول العربية، بعد أن كانت
الحركة الصهيونية قد استبعدت جلبهم. وتذكر الوثائق الصهيونية أن مؤسسي الحركة الصهيونية
خططوا لإقامة الكيان الصهيوني اعتماداً على اليهود الغربيين فقط، لكن مع اندلاع الحرب
العالمية الثانية ومع كل ما حصل لليهود أبان الحرب وخلالها، شعرت الحركة الصهيونية
أنها تحتاج إلى تهجير اليهود في الدول العربية من أجل تحسين الثقل الديموجرافي لليهود
في مواجهة الثقل الديموجرافي للفلسطينيين. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فقد أمر بن جوريون
بالخطوات التالية:
أولاً: إرسال بعثات من المستشرقين اليهود للدول العربية
التي يتواجد فيها اليهود لجمع معلومات عنهم، ثم الشروع في محاولات إقناعهم بالهجرة.
ثانياً: عندما تبين لبن جوريون أن هذه البعثات لم
تحقق النجاحات التي كان يأمل في تحقيقها، أمر جهاز الموساد بتنفيذ عمليات إرهابية ضد
الوجود اليهودي في العالم العربي، مثل تفخيخ وتفجير الكنس واغتيال الشخصيات اليهودية
النافذة من أجل دب الفزع في نفوس اليهود ودفعهم للفرار للكيان الصهيوني.
وتذكر بعض الكتب التي تناولت أوضاع اليهود في العالم
العربي أنه برز دور شلومو هليل، رئيس الكنيست الأسبق كضابط في الموساد في تنفيذ الهجمات
التي استهدفت اليهود.
من هنا فإن المسرحية التي يشرف ليبرمان على إخراجها
تبدو موغلة في التفاهة والسطحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق