الخميس، 19 يوليو 2012

تطويق مرسي استراتيجية تقليل الأضرار الإسرائيلية


تطويق مرسي
استراتيجية تقليل الأضرار الإسرائيلية
18/07/2012 09:40:00
إعداد: صالح النعامي، باحث في الشؤون الاسرائيلية.
 لا خلاف في إسرائيل على أن انتخاب محمد مرسي، مرشح جماعة "الإخوان المسلمين" كرئيس لجمهورية مصر العربية، يمثل أخطر مظاهر التغيير الذي طرأ على البيئة الاستراتيجية للكيان الصهيوني كنتاج لثورات التحول الديمقراطي التي اجتاحت العالم العربي. وإن كانت إسرائيل تخشى خسارتها الكثير من مواطن الذخر الاستراتيجي التي كانت تتمتع بها في ظل العلاقة بالنظام المصري السابق، فإن كل الدلائل تؤكد أن دوائر صناع القرار في الكيان الصهيوني ليس في حكم الوارد لديها الاستسلام للواقع الجديد؛ بل إنها باتت تسعى منذ الآن لتقليص حجم المخاطر التي ستنجم عن انتخاب مرسي. وسنحاول في هذه الورقة حصر الخسائر التي تخشى إسرائيل أن تتكبدها في أعقاب فوز مرسي، إلى جانب رصد ماكينزمات التحرك الإسرائيلي الهادفة لتقليص الأضرار الناجمة عن هذا التحول الكبير.

إسرائيل وتبعات فوز مرسي

يرصد الإسرائيليون عددًا من المخاطر التي من الممكن أن يسفر عنها صعود مرشح "الإخوان المسلمين" لسدة الحكم في مصر، ونحن هنا بصدد الإشارة إلى أهم هذه المخاطر:

أولًا: فقدان الشراكة الاستراتيجية

تمثل اتفاقية "كامب ديفيد" التي وقَّعتها مصر وإسرائيل عام 1979، أحد أهم الأسس التي يقوم عليها "الأمن القومي" الإسرائيلي؛ إذ إن هذه الاتفاقية أخرجت أكبر دولة عربية من دائرة العداء مع إسرائيل، مما منح تل أبيب القدرة على التفرغ لمواجهة التحديات الاستراتيجية على الجبهات العربية الأخرى، علاوة على أنها قلَّصت إلى حد كبير إمكانية اندلاع حرب كبيرة بين إسرائيل والدول العربية تشكل تهديدًا وجوديًّا للكيان الصهيوني (1). لكن إسهام "كامب ديفيد" في الأمن القومي الإسرائيلي لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن هذه الاتفاقية شكَّلت الأرضية لنقل العلاقة المصرية-الإسرائيلية من مرحلة إنهاء العداء إلى الشراكة الاستراتيجية الكاملة، وذلك في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك. فقد وظَّف مبارك الوزن الإقليمي لمصر في مساعدة إسرائيل على تنفيذ مخططاتها الاستراتيجية ضد الأطراف العربية الأخرى. ومما لا شك فيه أن إسرائيل شنت الحرب على لبنان عام 2006، والحرب على غزة عام 2008 في ظروف مثالية بفضل المظلة الإقليمية التي وفرها مبارك (2). علاوة على أن إسرائيل باتت مهددة بخسران التعاون الأمني والاستخباري القوي والعميق الذي كان قائمًا بين الأجهزة الأمنية المصرية ونظيراتها الإسرائيلية، والذي لعب اللواء عمر سليمان، مدير المخابرات المصرية السابق الدور الحاسم في بلورته وتطويره (3).

إن أحدًا في إسرائيل لا يساوره أدنى شك في أن مصر في عهد مرسي لن تقبل بمواصلة الشراكة الاستراتيجية مع تل أبيب؛ حيث إن سياسات الأمن القومي المصري في العهد الجديد سترتكز على مبادئ مناقضة تمامًا للأسس التي كانت تستند إليها في عهد مبارك. وعلى الرغم من تشديد الرئيس مرسي على أن مصر تحت قيادته ستلتزم بكل الاتفاقات الدولية، إلا أن صناع القرار في تل أبيب ينطلقون من افتراض مفاده أن التحولات التي طرأت على البيئة الداخلية المصرية ستفضي في النهاية إلى جعل اتفاقية "كامب ديفيد"، ليست أكثر من مجرد اتفاق لوقف إطلاق نار. لقد دفع الواقع الجديد العديد من الجنرالات الإسرائيليين المتقاعدين لدعوة صناع القرار في تل أبيب بصراحة للاستعداد لتحول مصر إلى طرف عدو، مع كل ما يتطلبه ذلك من استعدادات أمنية وعسكرية (4). ولا يمكن هنا تجاهل الحكم القاطع الذي أصدره وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الذي اعتبر أن مصر في عهد مرسي ستكون أخطر بكثير من إيران، وهو ما دفعه بالتالي للدعوة إلى إعادة تقييم خارطة المخاطر الاستراتيجية التي باتت تواجه إسرائيل (5). من هنا فقد تعاظمت الدعوات في إسرائيل لإعادة صياغة مفهوم الأمن "القومي" الإسرائيلي في أعقاب فوز مرسي (6).

ثانيًا: تقليص قدرة إسرائيل على ضرب المقاومة الفلسطينية

يكاد لا يختلف اثنان من الخبراء الاستراتيجيين في إسرائيل على توصية صناع القرار في تل أبيب بإبداء أقصى درجات الحذر قبل أن يأمروا بشن أي عمل عسكري ضد حركات المقاومة الفلسطينية، سيما في قطاع غزة بعد فوز مرسي (7). ولا يرجع الحذر الإسرائيلي من شن عمل حربي على قطاع غزة للخوف من إمكانية أن ترد مصر ردًّا حربيًّا، بل إن جيورا أيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق يؤكد أنه يكفي مرسي أن يتخذ خطوات دبلوماسية وسياسية عقابية ضد إسرائيل حتى يتسبب ذلك في أذى كبير لإسرائيل (8).

ثالثًا: كابوس الطوق السني

إن سيناريو الرعب الذي تخشاه إسرائيل هو أن تنتقل التجربة المصرية في حال نجاح مرسي إلى دول عربية أخرى، بحيث يمثل هذا التطور مناخًا مناسبًا لسيطرة الحركات الإسلامية على مقاليد الأمور في المزيد من الدول في العالم العربي (9). لكن مما لا شك فيه أن أكثر ما يثير القلق لدى صناع القرار في إسرائيل هو أن يؤثر صعود مرسي على مستقبل نظام الحكم في الأردن، الذي يوصف في أوساط القيادة الاسرائيلية بأنه "أوثق حلفاء" إسرائيل في المنطقة. وتخشى النخبة الإسرائيلية أن يؤدي وصول "الإخوان المسلمين" لسُدَّة الحكم في مصر إلى تشجيع "الإخوان" في الأردن على مواصلة الضغط بشكل أقوى من أجل تحويل النظام الأردني إلى "الملكية الدستورية"، فيصير الملك مجردًا من الصلاحيات التي مكَّنته حتى الآن حسب اعتقادهم من توظيف الأردن في خدمة المصالح الإسرائيلية (10). إن ما يفاقم القلق من فوز مرسي لدى إسرائيل هو أن صناع القرار في إسرائيل باتوا يخشون تداعيات سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد في أعقاب حديث إسرائيل المفاجئ عن "تعاظم دور الإسلاميين في الثورة السورية" (11). ويرى الكثير من النخب الإسرائيلية أنه في حال تم تحويل النظام في الأردن للملكية الدستورية، وفي حال تولي الإسلاميين مقاليد الأمور في سوريا، فإن إسرائيل ستفاجأ وقد أحاط بها طوق سني يبدأ بتونس ويمر بليبيا ومصر والأردن وسوريا وينتهي بتركيا.

رابعًا: العزلة الإقليمية والدولية

يعي صناع القرار في إسرائيل حجم الدور الذي لعبه الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في مساعدة الكيان الصهيوني في تكريس مكانته الإقليمية والدولية، حتى في الوقت الذي كان فيه هذا الكيان يشن العدوان على الفلسطينيين واللبنانيين؛ فقد شجعت العلاقات الدافئة بين نظام مبارك وإسرائيل نظم حكم عربية أخرى على المبادرة ببعض أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني. وفي الوقت نفسه فقد شكَّلت العلاقات الوثيقة بين مصر وإسرائيل مسوغًا للكثير من الدول الإفريقية والإسلامية لفتح أبوابها أمام إسرائيل، بعد أن كانت تتحفظ على توسيع هذه العلاقات خشية ردة الفعل العربية. ليس هذا فحسب، بل إن نظام مبارك قد تطوع للتصدي لأطراف وقوى إسلامية لمجرد أن ذلك يلقى استحسانًا لدى إسرائيل والولايات المتحدة (12). ومن الواضح أنه كلما تمكن الرئيس مرسي من استعادة دور مصر الإقليمي أسهم ذلك في تقليص هامش المناورة أمام إسرائيل وقلَّص من قدرتها على استعادة مكانتها الإقليمية، مع العلم أن ثورات الربيع العربي والحرب على غزة قد أسهمت في تراجع مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية بشكل كبير.

خامسًا: الكلفة الاقتصادية

لقد بات في حكم المؤكد أن إسرائيل ستدفع ثمنًا اقتصاديًّا باهظًا جرَّاء متطلبات إعادة بناء قوتها العسكرية في أعقاب فوز مرسي؛ فبعد أقل من 24 ساعة على إعلان فوز مرسي، وحتى قبل توليه مقاليد الحكم طلبت هيئة أركان الجيش الإسرائيلي من وزارة المالية تحويل ما قيمته 4.5 مليار دولار بشكل عاجل لموازنة الأمن وذلك لتمويل متطلبات إعادة بناء قيادة الجبهة الجنوبية في الجيش، والمكلفة بمواجهات التحديات الناجمة عن التحولات المتوقعة في السلوك المصري تجاه إسرائيل في المرحلة المقبلة (13). مع العلم أن هذه القيادة كانت تحظى بالاهتمام الأقل من بين قيادات الجيش الإسرائيلي الأخرى. وفي حال تبنت الحكومة الإسرائيلية التصور الذي قدمه وزير الخارجية ليبرمان لإعادة بناء القوة العسكرية الإسرائيلية في أعقاب فوز مرسي، فإنه يفترض أن تبلغ كلفة تطبيق هذا التصور أكثر من عشرة مليارات دولار على الأقل (14). ولكي يتضح حجم تأثير السلام مع مصر في تحسين الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل، فإنه من الأهمية الإشارة إلى حقيقة أن حجم الإنفاق الأمني قبل التوقيع على اتفاقية "كامب ديفيد" كان يستحوذ على 47% من موازنة الدولة، بينما لا يتجاوز الآن 15,1% من الموازنة (15).

آليات التحرك الإسرائيلي المضادة

لقد بدا واضحًا أنه ليس في حكم الوارد لدى صناع القرار في تل أبيب أن يستسلموا لما آلت إليه الأمور في مصر؛ فقد شرعوا بالفعل في تحرك مباشر من أجل تقليص الأضرار الناجمة عن تولي مرسي مقاليد الأمور في مصر، كما أن النخب الإسرائيلية توسعت في تقديم التوصيات لأرباب الحكم، والكفيلة -حسب اعتقادهم- بمحاصرة الآثار "السلبية". وإن كنّا قد سبقنا بالإشارة إلى حجم الاستعدادات العسكرية والأمنية التي تعكف عليها إسرائيل حاليًا من أجل مواجهة حقبة مرسي، فإن هناك آليات تحرك أخرى تم الشروع فيها لتحقيق نفس الهدف، على النحو التالي:

أولًا: الرهان على قادة العسكر في مصر

يجاهر صناع القرار في تل أبيب بالقول: إن مصالح إسرائيل "القومية" تقتضي مواصلة قادة العسكر في مصر الاحتفاظ بمعظم الصلاحيات التي يتمتعون بها، سيما تلك المتعلقة ببلورة سياسات الأمن القومي المصري. وقد اعتبر بنيامين بن إليعازر، وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق، ومهندس العلاقات المصرية الإسرائيلية، أن أي مساس بالصلاحيات التي حصل عليها العسكر بعد انتقال السلطة إليهم في أعقاب خلع مبارك يمثل ضررًا بمصالح إسرائيل "القومية" (16). وقد حرصت إسرائيل منذ خلع مبارك على الحفاظ على صلاحيات العسكر من خلال حملات دبلوماسية سرية هدفت إلى مساعدة العسكر على مواصلة الاحتفاظ بالصلاحيات (17). وقد حثَّ كثير من الباحثين الإسرائيليين صنّاع القرار على مواصلة الضغط على الولايات المتحدة للحيلولة دون استباب الأمور لأي رئيس مصري يصعد للحكم من صفوف الحركات الإسلامية (18).

ثانيًا: توظيف المساعدات الأميركية

على الرغم من المخاوف الكبيرة التي تعبِّر عنها النخبة الإسرائيلية في أعقاب فوز مرسي، فإن هذه النخب تراهن على آثار الواقع الاقتصادي والاجتماعي السيئة التي ورثها مرسي عن النظام السابق. وتأمل بعض النخب الإسرائيلية بأن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في مصر ستجعل الرئيس الجديد يبدي حرصًا على الحفاظ على المعونة السنوية التي تقدمها الولايات المتحدة لمصر. وهذا بالضبط ما دفع بعض السياسيين الإسرائيليين للدعوة لتوظيف هذه المعونة في الضغط على الرئيس مرسي وردعه عن الإقدام على أية خطوة من شأنها المس بطابع العلاقات الذي كان سائدًا بين مصر وإسرائيل في عهد مبارك. فعلى سبيل المثال دعا وزير القضاء الإسرائيلي الأسبق يوسي بيلين إدارة أوباما والكونغرس لإنذار مرسي بأنه سيتم قطع المساعدات الأميركية للقاهرة، ليس فقط في حال عطَّل مرسي اتفاقية السلام مع إسرائيل، بل أيضًا في حال لم يوافق مرسي على مواصلة الشراكة الاستراتيجية والتعاون الأمني والاستخباري بين مصر وإسرائيل (19).

ثالثًا: التعاون مع محور الاعتدال في العالم العربي

لقد استغل كثير من الباحثين الإسرائيليين فوز مرسي لتوجيه لوم شديد للحكومة الإسرائيلية لتقصيرها في تعزيز العلاقة مع ما تبقى من محور الاعتدال العربي، وعلى وجه الخصوص الأردن والسلطة الفلسطينية، على اعتبار أن فوز مرسي يجعل هامش مناورة إسرائيل محدودًا في المنطقة، ويقوِّي من إمكانية انتقال الحالة المصرية لكل من الأردن ومناطق السلطة. ويوصي هؤلاء الباحثون بشكل خاص بالعمل على استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية. إن أكثر ما يريح الإسرائيليين هو الموقف المعادي لبعض دول الخليج من جماعة الإخوان المسلمين وحرص هذه الدول على إفشال تجربة حكم الإخوان ممثلة بصعود مرسي، وتحديدًا الرهان الإسرائيلي على أن دول الخليج لن تبدي أي حماس لتقديم يد العون لمرسي من أجل إنقاذ الاقتصاد المصري بقصد إفشاله (20).

ومن أجل تقليص الأضرار الناجمة عن صعود مرسي، فقد تنامت الدعوات لبذل جهد كبير من أجل إصلاح العلاقة مع تركيا. وقد حذر الجنرال المتقاعد رون تيرا من أنه في حال استتب الحكم للإسلاميين في مصر وانتقلت العلاقة مع تركيا من الخصومة للعداء، فإنه لا يُستبعد أن تجد إسرائيل نفسها في يوم من الأيام في مواجهة مشتركة مع الجيشين المصري والتركي (21).

رابعًا: نزع الشرعية الدولية عن حكم مرسي

لقد شرعت إسرائيل الرسمية في حملات لنزع الشرعية عن حكم مرسي عبر حملة دعاية منظمة تشرف عليها ماكينة الدعاية الإسرائيلية التي تعمل انطلاقًا من وزارة الخارجية الإسرائيلية، بالتعاون مع الأجهزة الاستخبارية(22). وفي هذا السياق حرصت الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية على تسريب تقييمات أمنية تفيد بأن حركة حماس ستتحول إلى ذراع مسلح لجماعة "الإخوان المسلمين" في عهد مرسي (23). ومن أجل التدليل على مصداقية حملة التشكيك التي تشنها ضد جماعة الإخوان المسلمين، فإن بعض النخب الإسرائيلية لجأت إلى الاستناد إلى كتابات بعض الكتّاب والباحثين العرب المناوئين للجماعة وفكرها في محاولة لإقناع الغرب بأن "الإخوان المسلمين" هي الحركة التي أضفت شرعية على استخدام "الإرهاب" في تحقيق الأهداف السياسية؛ فعلى سبيل المثال اعتمد دوري غولد، مندوب إسرائيل الأسبق ورئيس "مركز القدس لدراسات الجمهور والمجتمع"، على كتابات وزير التعليم الكويتي الأسبق أحمد الربعي المناوئة لـ "الإخوان المسلمين" للتدليل على أنه يتوجب نزع الشرعية عن حكم الرئيس مرسي، على اعتبار أنه ينتمي إلى جماعة "إرهابية" (24).

محدودية فعالية التحرك الإسرائيلي

إن إسرائيل تُقدِم على آليات التحرك آنفة الذكر وهي غير واثقة بأنها ستكون كفيلة بتحقيق الأهداف المرجوة منها، بل إن هناك من المسؤولين والباحثين الإسرائيليين من يرى أن هذه الإجراءات قد تأتي تحديدًا بنتائج عكسية؛ فعلى سبيل المثال شكَّك وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك في إمكانية موافقة الإدارة الأميركية على الطلب الإسرائيلي بتوظيف المساعدات المالية لمصر في الضغط على مرسي. فحسب منطق باراك فإن الثورات العربية قد أضعفت مكانة الولايات المتحدة في المنطقة بشكل كبير، وبالتالي فإنه في كل ما يتعلق بالعلاقة الأميركية-المصرية، فإن مكانة الرئيس مرسي أقوى من مكانة الإدارة الأميركية، لأن حاجتها إليه أكبر من حاجته إليها (25). في الوقت ذاته يشكّك المستشرق الإسرائيلي ألكسندر بلاي في صدقية الافتراض بأن مكانة مرسي ستتضرر في حال أوقفت واشنطن مساعداتها المالية لمصر؛ فحسب بلاي فإن هناك أساسًا للاعتقاد بأن مرسي قد يرتاح لقطع هذه المساعدات لأن معظمها يذهب لجيوب قادة العسكر، وبالتالي فإن إقدام واشنطن على قطعها سيضر بخصومه من قادة الجيش، وليس العكس (26). ويرى الباحث عومر جندلر أن اعتماد إسرائيل على المساعدات الأميركية في تغطية تعاظم النفقات الأمنية في أعقاب صعود مرسي، إلى جانب حاجتها الدائمة للدعم السياسي الأميركي، سيجعلها تبدو كعبء وليس ذخرًا استراتيجيا للولايات المتحدة (27).

وفيما يتعلق بالرهان على العلاقة مع قادة العسكر في مصر؛ فإن هناك في إسرائيل من بات يحذِّر من مغبة المبالغة في هذا الرهان. ويتوقع المستشرق الإسرائيلي إيهود يعاري أن يتمكن الرئيس مرسي من تحجيم مكانة ودور العسكر في وقت أقصر بكثير من الوقت الذي استغرقه رئيس الوزراء التركي طيب أردوغان لتحقيق نفس الهدف (28).

خلاصة

لقد خلطت التطورات المتلاحقة التي انطوت عليها ثورات التحول الديموقراطي في العالم العربي الأوراق لدى صناع القرار في تل أبيب، وهم في حال سباق مع الزمن لتقليص مستوى وحجم العوائد السلبية لهذه التطورات على البيئة الاستراتيجية لإسرائيل. وعلى الرغم من أنهم يبدون أقل ثقة في إمكانية تجنب آثار هذه العوائد، إلا أنهم مصممون على التصدي لها وتقليص آثارها.

***

هوامش ومراجع

1- للتوسع في الحديث عن مدى إسهام "كامب ديفيد" في الأمن القومي الإسرائيلي، انظر: جابي سيبوني، هتلتلا بعولام هعرفي: مشمعيوت لتساهل (الهزة في العالم العربي ومغزاها للجيش الإسرائيلي)، تل أبيب، مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، 2012، ص 71-75.
2- للإحاطة بمزيد من مظاهر الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل ومصر في عهد مبارك، انظر: رون تيرا، هتعروروت هتتسريف هإستراتيجي شل يسرائيل (اهتزاز الفضاء الاستراتيجي لإسرائيل)، مجلة "عدكون إستراتيجي"، "مركز أبحاث الأمن القومي"، مجلد 14، عدد 3، أكتوبر/تشرين الأول 2011.
3- حول مظاهر التعاون الأمني والاستخباري بين مصر وإسرائيل، يمكن الاطلاع على ما كتبه يوسي ميلمان، معلق الشؤون الاستخبارية في صحيفة "هارتس"  اضغط هنا
4- يمكن الاطلاع على ما كتبه بهذا الصدد الجنرال المتقاعد يهودا دحوح هليفي، الباحث في "معهد القدس لشؤون الجمهور والمجتمع"،  اضغط هنا
 5- نشر موقع صحيفة "معاريف" تصريحات ليبرمان  اضغط هنا
 6- برز الباحث والمستشرق الإسرائيلي يهودا بلنغا كأحد المطالبين بإعادة بناء المفهوم الأمن القومي بعد فوز مرسي، ويمكن الاطلاع على ما كتبه  اضغط هنا
7- يمكن هنا الإشارة إلى ما كتبه بهذا الخصوص، بن كاسبيت، كبير المعلقين في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية  اضغط هنا
8- وردت أقوال أيلاند في مقابلة أجرتها مع الإذاعة العبرية بتاريخ 30-6-2012
9- شلومو بروم، هشلخوت أزوريوت شل هأفيف هعرفي (التداعيات الإقليمية للربيع العربي)، في: يوئيل جوزنسكي، مارك هيلير، شنا لأبيب هعرفي: هشلخوت أزوريوت فبنلئوميوت (عام على الربيع العربي: تداعيات إقليمية ودولية)، تل أبيب، مركز دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب،2012،ص 39-43.
10- حول دور النظام الأردني في خدمة المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية يمكن الإشارة إلى الدراسة التي أعدها السفير الإسرائيلي الأسبق في الأردن عوديد عيران: يردين: هفجنوت فريفورموت عل أيش نموخا (الأردن: مظاهرات وإصلاحات على نار هادئة)، في: يوئيل جوزنسكي، مارك هيلير، مرجع سابق، ص 59-69.
11- نقلت القناة الأولى في التليفزيون الإسرائيلي بتاريخ 22-6-2012 عن محافل رسمية إسرائيلية قولها: إنها تشعر بقلق شديد بسبب زيادة تأثير الإسلاميين على المعارضة السورية، وهو ما استدعى حكومة نتنياهو للتباحث مع الإدارة الأميركية حول هذا الأمر.
12- لقد كان هذا الدافع يوجه نظام مبارك في علاقاته مع حماس وحزب الله وإيران.
13- نشر موقع صحيفة "معاريف" تفاصيل حول الكلفة الاقتصادية لإعادة بناء القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي بعد فوز مرسي  اضغط هنا
 14- انظر مركبات تصور ليبرمان  اضغط هنا
15- ميراف أورلزروف، بأوتسار شأننيم فلو بتسيدك (ارتياح وزارة المالية غير مبرر) صحيفة ذي ماركير،30-1-2011،  اضغط هنا
16- وردت تصريحات بن إليعازر في مقابلة مع صحيفة "ذي ماركير"،  اضغط هنا
17- كشفت القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي بتاريخ 22-3-2012 النقاب عن أن نتنياهو أجرى اتصالات سرية مع الإدارة الأميركية وقادة الكونغرس حاثًّا إياهم على الضغط على العسكر لعدم التنازل عن صلاحياتهم لأية قيادة مدنية مصرية منتخبة.
18- لقد جاءت إحدى هذه الدعوات في مقال نشره الباحث والدبلوماسي السابق إيلي فيدر في صحيفة "معاريف"
19-  يوسي بيلين، بين مرسي ليسرائيل(بين مرسي وإسرائيل)، إسرائيل اليوم، 27-6-2012، اضغط هنا
20-  طرح هذا الموقف العديد من الدبلوماسيين السابقين، وضمنهم سفير إسرائيل الأسبق في مصر تسفي مزال، ويمكن الاطلاع على ما كتبه في صحيفة "يديعوت"  اضغط هنا
21- رون تيرا، مرجع سابق.
22- كشف أمنون أبراموفيتش، كبير معلقي القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي بتاريخ 29-6-2012 أن وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان هو الذي اقترح شن حملات الدعاية ضد مرسي قبل ظهور نتائج الانتخابات؛ حيث تقوم الحملة على الربط بين جماعة "الإخوان المسلمين" والتنظيمات الإسلامية التي تُعتبر "إرهابية" في نظر الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
23- يمكن الاطلاع على هذه المزاعم  اضغط هنا
24- يمكن الاطلاع على ما كتبه غولد في صحيفة "إسرائيل اليوم" بهذا الشأن  اضغط هنا
25- وردت ملاحظات باراك هذه في لقاء مع أعضاء لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، ونقلتها الإذاعة العبرية بتاريخ 1-7-2012.
26- للاطلاع على ما كتبه ألكسندر بلاي في "إسرائيل اليوم"، اضغط هنا
27- للاطلاع على ما كتبه جندلر، اضغط هنا
28- جاءت أقوال يعاري في تعليق له على نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية بثته القناة الثانية في التليفزيون الإسرائيلي بتاريخ 27-6-2012.
المصدر: مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق