"التسونامي" السياسي أصبح على أبواب الكيان الصهيوني
[ 15/09/2011 - 06:55 م ]
الوف بن
تحققت المخاوف التي أثارها «الربيع العربي» في اسرائيل في نهاية الاسبوع عندما اخترق متظاهرون السفارة في القاهرة وطردوا عن بلادهم الدبلوماسيين الاسرائيليين. وقد ذكر الاجلاء المذعور لفريق السفارة في طائرة سلاح الجو بعد تدخل رئيس الولايات المتحدة باراك اوباما، بالثورة الاسلامية في ايران في 1979. بعد سبعة اشهر من اسقاط متظاهري التحرير الرئيس حسني مبارك من الحكم مزقوا رمز اتفاق السلام الواضح وهو العلم الاسرائيلي الذي رفرف في عاصمة مصر مدة 31 سنة، مزقوه إربا إربا.
إن المؤرخين الذين سيكتبون في المستقبل عن انهيار اتفاق السلام سيبدأون الحكاية بأواخر سني نظام مبارك حينما فقدت القاهرة بالتدريج سيطرتها على سيناء وأصبحت الصحراء منطقة لمهربي السلاح وتجار النساء واللاجئين الافارقة. ان ترتيبات نزع السلاح التي أبعدت الجيش المصري عن سيناء ضعفت بالتدريج منذ وقع الانفصال الاسرائيلي عن غزة، وبايقاع سريع في الشهور الاخيرة. وقد طلب المصريون مرة بعد اخرى وحصلوا على موافقة اسرائيل على نشر جنود وسلاح آخرين قرب الحدود، «على نحو مؤقت»، لاقرار النظام والامن في سيناء. ومن جهة المصريين كانت هنا فرصة للتخلص من القيود التي قبلوها في اتفاق السلام وليعيدوا لأنفسهم سيادتهم الكاملة على المنطقة الفاصلة بين قناة السويس والنقب.
في السبعينيات، حينما وقع اتفاق السلام كان الجيش يبدو في الخطر الامني الأكثر تهديدا. ويبدو الجنود المصريون الآن أخف الضرر، وعلاجا لخطر أكبر هو فراغ في الحكم والامن وراء الحدود. ويخشى نتنياهو أن تصبح سيناء قطاع غزة ضخما مشحونا بالسلاح والمواقع لاطلاق القذائف الصاروخية والصواريخ على اسرائيل. والجدار الذي تنشئه اسرائيل على طول الحدود المصرية مخصص للامن الجاري، ولمنع عمليات وتسلل لاجئين. ولن يستطيع مواجهة الأخطار الاستراتيجية التي تتكون سريعا في الجانب الثاني.
نشبت «ازمة السفارة» على أثر قتل خمسة جنود مصريين في الثامن عشر من آب، في حادثة الحدود التي بدأت بعمليات مضادة لسيارات اسرائيلية في الطريق الى ايلات. وقد وجه متظاهرو التحرير والساسة المصريون الذين خابت آمالهم بسبب الايقاع البطيء لتغيير النظام، وجهوا غضبهم على الهدف الأبغض في القاهرة وهو السفارة الاسرائيلية. إن تعبير وزير الدفاع ايهود باراك عن الأسف، ووعد اسرائيل بالتعاون مع مصر في التحقيق في الحادثة، لم يثيرا اهتمام الرأي العام المصري.
واستمرت التظاهرات وبعد اسبوع من طرد السفير عن أنقرة لسبب مشابه – الغضب لقتل مدنيين أتراك في القافلة البحرية الى غزة – أُبعد السفير عن القاهرة. وكان الفرق الوحيد أن الحكومة في تركيا هي التي بادرت لخفض مستوى العلاقات أما في مصر ففعل متظاهرو الشارع ذلك في حين وقفت السلطة جانبا.
يتمدح نتنياهو وحكومته بوقوفهم الحازم على الكرامة الوطنية، ورئيس الحكومة على ثقة بأنه محق في رفضه الاعتذار للاتراك عن قتل مدنييهم في عملية الوحدة البحرية المضادة للقافلة البحرية في السنة الماضية. وبحسب وجهة نظر نتنياهو، ينظر العالم العربي كله الى أعمال اسرائيل، وكان الاعتذار لتركيا سيُفسر بأنه اظهار ضعف لا يغتفر، لكن نتنياهو لم يكتف برفض الاعتذار، وبدل ان يهدئ النفوس ويخفف المواجهة مع تركيا، جُرت اسرائيل الى معركة حماسية خطرة مع أنقرة.
وهدد رئيس حكومة تركيا اردوغان بارسال الاسطول التركي لمصاحبة القوافل البحرية القادمة الى غزة، ورد نتنياهو بزيارة مغطاة اعلاميا لقاعدة سلاح البحرية. ويقترح وزير الخارجية افيغدور ليبرمان الذي يلتف على نتنياهو من اليمين دائما أن تساعد اسرائيل الجبهة السرية الكردية (حزب العمال الكردي)، ليكون ذلك وزنا يعادل التأييد التركي لحماس – ويعبر تعبيرا معلنا ايضا عن اقتراحه الهاذي.
إن نتنياهو وليبرمان بطلان في وسائل الاعلام، لكن في لحظة الامتحان التي حاصر فيها المتظاهرون الدبلوماسيين المتحصنين في السفارة في القاهرة، تبين أنه ليس لاسرائيل أي أداة تأثير مباشر في مصر. واضطر نتنياهو الى أن يطلب مساعدة خصمه الأكبر اوباما على تخليص ناس السفارة. وتبين مرة اخرى أن اسرائيل لا تستطيع تصريف أمورها دون مساعدة اميركا، يأمل نتنياهو الآن أن تستطيع اسرائيل مقابل الحلفين الضائعين مع تركيا ومصر، مقاربة السعودية وجاراتها الخليجيات، التي تريد مثلها صد أمواج الربيع العربي الارتدادية وابقاء ما بقي من النظام القديم على حاله. وفي الغرب، يحاول الالتفاف على تركيا بتقوية العلاقات مع اليونان وبلغاريا ورومانيا. وقد أظهروه في زياراته لبلدان البلقان على صور وتماثيل للابطال الذين أعدمتهم الدولة العثمانية، وهذا أساس للصداقة.
لكن هذه تعزيات صغيرة فقط. ان التسونامي السياسي الذي تنبأ به وزير الدفاع ايهود باراك قد حدث قبل اعلان الدولة الفلسطينية المتوقع في الامم المتحدة. بقيت اسرائيل وحيدة إزاء ايران وتركيا ومصر – التي كانت في فترات مختلفة في الماضي حليفاتها القريبة. ونتنياهو مقتنع بأن التحولات في المنطقة قضاء وقدر، وأن اسرائيل لا تستطيع ولا يجب عليها أن تفعل شيئا سوى الوقوف الصلب في المكان.
لم تستطع اسرائيل منع صعود اردوغان وسقوط مبارك، كما لا تنجح في وقف البرنامج الذري الايراني. ولم يحدث تهاوي القوة الاميركية العظمى بذنب من نتنياهو. لكنه لم يفعل شيئا لتليين تأثير هذه الاشياء، وفي امتحان النتيجة، أصبح وضع اسرائيل السياسي والاستراتيجي اسوأ كثيرا بقيادته.
هآرتس، 14/9/2011
0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق