الوضع المتدهور في الكيان الصهيوني طويل الأمد وإشكالي جداً
[ 15/09/2011 - 06:57 م ]
بلال ضاهر
في الوقت الذي تتصاعد فيه الاحتجاجات الاجتماعية في إسرائيل أصدر "مركز طاوب للدراسات الاجتماعية في إسرائيل"، الأسبوع الماضي، تقريره السنوي حول "حال الدولة - المجتمع، الاقتصاد والسياسة" للعام 2010.
وأكد التقرير تزايد الفجوات الاقتصادية والاجتماعية وانعكاس ذلك على الخدمات الطبية والتعليم والبنى التحتية، لافتًا إلى تراجع مستواها كلما تم الابتعاد عن وسط البلاد، وخصوصا في شمالها وجنوبها. وخلص التقرير إلى أنه "ثمة قضية واحدة تنعكس في جميع المجالات وهي قضية انعدام المساواة"، ما يدعم شعار الاحتجاجات الحالية وهو "الشعب يريد عدالة اجتماعية".
وشدد التقرير على أن "الفجوات في الدخل والتعليم والصحة آخذة في الاتساع في إسرائيل"، وأن "ثمة عاملا مركزيا، لكن ليس وحيدا، يؤثر على انعدام المساواة هو مستوى التعليم"، وذلك لأن "مفتاح النمو الاقتصادي المتواصل هو إجراء تحسينات مستمرة في الإنتاجية، أي التزايد المتواصل في قدرة السكان على إنتاج كميات متزايدة من المنتجات والخدمات.
ومن أجل القيام بذلك فإن الدولة بحاجة إلى عدد متزايد من الأشخاص المتعلمين والمؤهلين، وإلى عدد متناقص من ذوي التعليم المتدني. ولا يعني هذا أن على الجميع أن يكونوا متعلمين، لكن الحديث يدور على تغيّرات كبيرة جدا تتمثل في انخفاض الطلب على عاملين من ذوي المستوى التعليمي المتدني. وينعكس هذا الأمر في دخل ونسب تشغيل هؤلاء العاملين".
وأوضح التقرير في هذا السياق أنه في العام 1970 كانت إسرائيل دولة أفقر مما هي عليه اليوم ومتطلباتها في مجال الإنتاج كانت تسمح لها بتشغيل عدد كبير جدا من العاملين ذوي المستوى التعليمي المتدني. وحينذاك، كانت نسبة الرجال العاملين، من جميع مستويات التعليم، تفوق التسعين بالمئة.
ورغم أن عدد الرجال من ذوي المستوى التعليمي المتدني انخفض كثيرا خلال السنوات الماضية، إلا أن الطلب على تشغيلهم انخفض بشكل أكبر. ونتيجة لذلك فإن نسبة الرجال العاملين من هذه الفئة انخفض بشكل كبير. وفيما كانت نسبة العاملين بين الذين تعلموا ما بين سنة إلى أربع سنوات قد تجاوزت التسعين بالمئة، قبل أربعين عاما، فإن نسبتهم اليوم بالكاد تصل إلى خمسين بالمئة.
كذلك فإن نسبة العاملين الذين تعلموا ما بين خمس إلى ثماني سنوات لا تتعدى الستين بالمئة. وتبين أن الفئة الوحيدة التي لم تتضرر في مجال العمل هي تلك التي تعلم أفرادها 16 سنة دراسية فما فوق، والتي تشمل بغالبيتها خريجي الدراسات الأكاديمية.
وإضافة إلى أن المتعلمين أكثر تُتاح أمامهم فرص عمل أوسع، فإن دخلهم يكون أكبر أيضا. ونتيجة لذلك فإن حصولهم على العلاج الطبي والأدوية أفضل من ذوي المستوى التعليمي المتدني. كما أن مستوى التحصيل العلمي لأولادهم أعلى. وبطبيعة الحال فإن نسب الفقر في هذه الفئة متدنية جدا.
لكن تقرير "مركز طاوب" أشار إلى أنه "في الوقت الذي تبدو فيه صورة الحاضر جيدة قياسا بالدول الغربية، التي بدأت تخرج من الأزمة الاقتصادية الشديدة منذ الانهيار الاقتصادي منذ سنوات الثلاثين من القرن الماضي، إلا أن صورة الوضع في إسرائيل التي تظهر في التقرير هي طويلة الأمد وإشكالية جدا، وهي مرتبطة للغاية بمستوى التعليم الذي يحصل عليه جزء كبير ومتزايد في المجتمع الإسرائيلي".
وحذر التقرير من أن "التعليم الذي يحصل عليه أولاد الدولة اليوم سيحدد بشكل كبير قدرة إسرائيل المستقبلية على التمتع باقتصاد في مستوى العالم الأول، وهذا شرط ضروري لاستمرار الوجود الفعلي للدولة مع الضرورات الأمنية التي ستضطر إلى مواجهتها في المستقبل المنظور".
وفيما يتعلق بالعاملين من ذوي المستوى التعليمي المتدني، لفت التقرير إلى أنه مع استمرار الانخفاض الكبير والمتواصل في الطلب على هؤلاء العاملين، كان متوقعا أن تعمل حكومات إسرائيل على تخفيض عدد هذه الفئة من العاملين.
كذلك فإنه كان يفترض أن ينتج عن ذلك ألا تجد هذه الفئة من العاملين نفسها في منافسة كبيرة على سوق العمل التي بإمكانها الدخول إليها، ما يعني أن احتمالات أفراد هذه الفئة في العثور على عمل ستكون كبيرة، وحتى أن دخلها سيرتفع. لكن التقرير أكد أن "الحكومة تعمل عكس ذلك تماما. فقد سمحت باستيراد مئات آلاف العاملين غير الإسرائيليين من ذوي المستوى التعليمي المتدني وبذلك منعت انتعاش تشغيل الإسرائيليين ذوي المستوى التعليمي المتدني".
مشاكل بنيوية
رغم أن حال الاقتصاد الإسرائيلي جيدة نسبيا، إلا أن التقرير أشار إلى أن هذا الاقتصاد يعاني من مشاكل بنيوية طويلة الأمد. وتنحصر هذه المشاكل في مجالين أساسين: سوق العمل والبنى التحتية. وهناك مشاكل أخرى كثيرة تؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي في مجالات التعليم والرفاه والصحة.
وتتعلق مشكلة سوق العمل الأولى بنسبة الرجال العاملين في إسرائيل، وهي متدنية قياسا بالدول الغربية. فنسبة الرجال العاملين في سن العمل الأساس، بين 35 و54 عاما، هي 5ر80%، بينما تصل هذه النسبة إلى 8ر85% بالمتوسط في الدول الأعضاء في "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" (OECD).
ورغم أنه طرأ تحسن معين في السنوات الأخيرة، وتمثل في ارتفاع نسبة تشغيل الرجال في إسرائيل بـ 2ر1%، بين السنوات 2006 و2009، وفيما انخفضت هذه النسبة في دول OECD بـ 6ر2%، إلا أن التقرير أكد أنه يتعين على إسرائيل المضي في طريق طويلة من أجل الوصول إلى المستوى الموجود في معظم الدول الغربية.
ووفقا لتقرير "مركز طاوب" فإن السبب الرئيس لتدني نسبة التشغيل لدى الرجال في إسرائيل يكمن في النسبة المتدنية للرجال الحريديم (أي اليهود المتزمتين دينيا) الذي يعملون.
وتتعلق مشكلة سوق العمل الثانية بتشغيل واسع جدا للعمال الأجانب. وتنبع الإشكاليات في هذا المجال من عدة أسباب: المس بتشغيل وأجر العاملين المحليين غير المؤهلين؛ ترسيخ أنماط إنتاج قديمة تعتمد على العمل الرخيص؛ التسبب بنشوء مشاكل اجتماعية وعبء على خدمات الرفاه؛ تشغيل عمال أجانب في ظروف سيئة للغاية وتأثير ذلك على سوق العمل في إسرائيل. ويشار إلى أن نسبة العمال الأجانب في القطاع الخاص الإسرائيلي هي 11%، وهي نسبة مرتفعة بمفاهيم دولية.
وتتعلق مشكلة سوق العمل الثالثة بالاستخدام الواسع لشركات القوى العاملة والتي تشغل عاملين بصورة مؤقتة. وعمل في العام 2009 قرابة 2ر32 ألف شخص من خلال شركات القوى العاملة و124 ألف شخص من خلال مقاولين ثانويين، وشكلوا نسبة 7ر5% من العاملين في مجمل سوق العمل الإسرائيلية.
ويعمل معظم الأجيرين لدى المقاولين الثانويين في مجالات الحراسة والنظافة والمساعدات في البيوت. لكن التقرير أشار إلى أن هذه هي صورة جزئية فقط، إذ أن المعطيات الرسمية حول فرع العمل هذا ليست كاملة.
ورغم أن لطريقة التشغيل هذه أفضلية تتمثل في ليونة تشغيل عاملين، إلا أن استخدامها الواسع يمس بعدة جوانب بينها أن تغيير العمال بصورة دائمة يمنعهم من اكتساب خبرة في العمل كونه ليس متواصلا. كذلك فإن طريقة التشغيل هذه تسمح للشركات بجني أرباح على حساب أجور العاملين المتدنية، الأمر الذي يزيد انعدام المساواة.
وثمة تقارير تتحدث عن استغلال بشع للعاملين في شركات القوى العاملة ولدى المقاولين الثانويين، لكن لا تتوفر معطيات شاملة وذات مصداقية في هذا المجال.
مشكلة ازدواجية سوق العمل تتمثل في وجود سوق أولى تجمع العاملين المؤهلين الذين لديهم استقرار وظيفي. وأبرز الفروع في هذه السوق هو فرع الـ "هايتك" أو الصناعات الالكترونية الدقيقة. وفي المقابل هناك سوق ثانوية تجمع العاملين غير المؤهلين، الذي يتم تشغيلهم بأجر متدن، وأحيانا أقل من الحد الأدنى للأجور الذي ينص عليه القانون، مع استقرار وظيفي متدن وبوجود حواجز كبيرة تمنع الانتقال إلى السوق الأولى. ويعمل في السوق الثانوية العرب والعمال الأجانب والمهاجرون الأثيوبيون وغيرهم، وهذه مجموعات ضعيفة وخصوصا من ناحية التمثيل النقابي لها.
وتغذي ازدواجية السوق الجمود في أساليب إنتاج قديمة في فروع مثل البناء والصناعات التقليدية والزراعة، وتدفع إلى استمرار وتعميق انعدام المساواة وتضع صعوبات أمام تقدم أولاد العاملين الضعفاء.
وأشار التقرير إلى أن التحولات الديمغرافية المتمثلة في التزايد الطبيعي لدى قسم من السكان العرب ولدى السكان الحريديم، إلى جانب سياسة الحكومات الإسرائيلية في العقود الأخيرة، تؤدي إلى تعميق المشاكل المذكورة أعلاه، إذ "يتوقع أن تكبر الشرائح الضعيفة قياسا مع باقي الفئات السكانية ولا يبدو أن الحكومة تنفذ خطوات مناسبة لحل هذه المشاكل.
كذلك فإن لهذه المشاكل في سوق العمل تأثيرا سلبيا فيما يتعلق بالثروة البشرية وإنتاجية العمل في الاقتصاد. فالناتج القومي لا يتعلق بكمية العاملين فقط وإنما بنوعيتهم أيضا".
إلى جانب ذلك، لفت التقرير إلى أن "إسرائيل تعاني من تخلف، قياسا بالعالم المتطور، في مجالات كثيرة متعلقة بالبنى التحتية"، مثل المواصلات والكهرباء والماء والصرف الصحي وخدمات الإنقاذ وإخماد الحرائق ووسائل منع التلوث البيئي.
وتنعكس سياسة الحكومة الإسرائيلية في هذا المجال من خلال رصد الميزانيات الضئيلة لتصحيح هذا الوضع. ففي موازنة العام 2011 تم رصد 5ر12 مليار شيكل للاستثمار في الفروع الاقتصادية من أصل موازنة عامة بلغت 271 مليار شيكل. وهذا يعني أن 6ر4% فقط من الموازنة و5ر1% فقط من الناتج القومي يستثمران في معاجلة مشاكل البنى التحتية.
ورأى معدو التقرير أنه "يتضح أن مستوى الاستثمار الحكومي في إسرائيل متدن وحتى أنه متدن جدا، وذلك قياسا مع دول متطورة جدا، مثل دول أوروبا الغربية واليابان، بل وحتى قياسا بدول أقل تطورا، مثل كوريا وتشيلي واليونان ودول أخرى في جنوب وشرق أوروبا".
أضرار المشاكل البنيوية
الضرر الأساس النابع من المشاكل البنيوية في الاقتصاد الإسرائيلي يتمثل في مستوى الحياة، من خلال مؤشر الناتج للفرد. وقال التقرير إن "معظم، إن لم يكن كل المشاكل البنيوية هذه تمس بمستوى الحياة ووتيرة النمو الاقتصادي. وإسرائيل لن تتمكن من سد الفجوات مقابل الدول الأكثر تطورا. وهكذا، على سبيل المثال، يعادل الناتج للفرد في إسرائيل منذ سنين طويلة قرابة 60% من ناتج الفرد في الولايات المتحدة. وإذا ما استمرت المشاكل البنيوية المذكورة أعلاه فإن هذه النسبة لن ترتفع بل ربما قد تنخفض".
ويؤدي قسم من المشاكل البنيوية في الاقتصاد الإسرائيلي إلى انعدام المساواة. وأكد التقرير أن انعدام مساواة بشكل كبير بمس بالرفاه ويصعد الاحتكاكات بين المجموعات السكانية المختلفة. وفي حال تفاقمت المشاكل وتجاوزت عتبة مصيرية، قد تكون لها انعكاسات سلبية على الاستثمارات، وبضمن ذلك الاستثمارات الأجنبية.
ولفت التقرير إلى أن المشاكل الطويلة الأمد لا تؤثر سلبا بالضرورة على متغيرات ماكرو - اقتصادية عديدة، مثل التضخم المالي والفوائد والتوازنات في القطاع الخارجي ونسبة البطالة وحجم الوظائف الشاغرة، ولذلك فإنه حتى لو تفاقمت المشاكل البنيوية في الاقتصاد الإسرائيلي فإن صورة المؤشرات الماكرو - اقتصادية قد تبقى جيدة.
المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 14/9/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق